خطوط الصراع - جغرافيا اليمن

  • شارك
  • تاريخ الحلقة
    2020-07-02
  • التقييم
  • موضوع الحلقة
    من الذي يحاول إفقار اليمن بالرغم من الأهمية الإستراتيجية والجغرافية والموارد الموجودة في اليمن؟
    دعنا بداية نتفق على مجموعة نقاط ظهر بعضها في ما تفضلتم به من تقرير ومن مقدمة، السؤال الكبير لماذا اليمن؟ حتى نجيب على هذا السؤال علينا أن نأخذ الجغرافيا بعين الإعتبار، وعلينا أن نأخذ التاريخ بعين الإعتبار، وعلينا أن نأخذ اللحظة السياسية التي نعيشها الآن بعين الإعتبار. كما تلاحظ - وهذا كمدخل تاريخي - إذا تأملنا في الخريطة الموجودة أمامك، نلاحظ الإمارات والبحرين والكويت والسعودية. هذه الدول حديثة النشأة بمعنى الدول. هي كيانات اصطُنعت في لحظة تاريخية معينة من القرن العشرين بالتزامن مع استحداث الكيان الصهيوني في فلسطين. إذن هي كيانات وظيفية كما كان الكيان الصهيوني كيانا" وظيفيا". هذا الخط الرابط من كيان الإحتلال مرورا" بالأردن، السعودية، الكويت، البحرين والإمارات وأيضا" قطر تؤدي دورا" مفصليا" في الحفاظ على المصالح التوسعية الإستعمارية الغربية ليس فقط في منطقتنا وإنما في العالم ككل. الدولة الوحيدة الموجودة منذ ما قبل التدوين التاريخي هي اليمن. إذا لاحظنا الثقل الديموغرافي وتعداد السكان ونوعية السكان في اليمن نفهم لماذا يشعر هذا المستعمر الغربي الذي كان في يوم من الأيام برتغالي وأتى إلى اليمن، وكان بريطاني وأتى إلى اليمن، وكان –بين هذا وذاك- عثماني وأتى إلى اليمن، ثم اقتسمت القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي في لحظة الصراع بين القطبين جزئيّ اليمن بين شمال وجنوب وهذا الموضوع شديد التفصيل. إذن نحن نتحدث عن منطقة ذات قيمة استراتيجية أي اليمن بتاريخها وبضغطها المباشر على النفوذ التوسعي الإستعماري في هذه الرقعة من العالم. ما هي قيمة هذه الرقعة من العالم؟ لماذا هذا الإصرار على هذه الرقعة من العالم؟ نلاحظ وبكل بساطة، هذا هو اليمن، هذه الهند، وهنا جنوب شرق آسيا، هنا الصين وهنا أوروبا. اليمن يقف هنا في الطريق. إذن هو يشكل ضغطا" مباشرا" على منابع النفط ومناطق النفوذ الإستعمارية الممتدة من كيان الإحتلال وانتهاء" بالإمارات، وأيضا" يقف على الطريق -هنا قناة السويس وهنا باب المندب- بين الهند ومن خلفها آسيا ومن بعدها أستراليا وبين أوروبا التي كانت معقل أو مركز التوسع الإستعماري. إذن هي هدف، ليس هدفا" مجردا" كما يحاول البعض أن يوحي للسعودية، أو كما تردد بعض الأبواق المأجورة أنها الحديقة الخلفية للسعودية. هي هدف مباشر للإستعمار الأوروبي وهي هدف مباشر للإمبريالية الأمريكية بشكل أساسي. لذا من هذه المقدمة الموجزة، لماذا الحرب أمريكية على اليمن ولماذا أعلنت من واشنطن.

    هي حرب أمريكية بالأصل؟ أي بما تفضلتم به أستاذ حسن أن اليمن هي الربط بين هذه القارات الثلاث، ونحن نعرف أيضا" أن الصين لديها مشروع لربط هذه القارات الثلاث. هل تدخل الصين في اليمن أيضا"؟
    منذ أن قررت المنظومة البرجوازية - التي نشأت في أوروبا بعد انهيار نظام الإقطاع - أن تتجه إلى العالم لاستعماره وتجميع ثرواته والسيطرة على موارده وتحويل بشره إلى حيوانات استهلاكية، منذ تلك اللحظة العقل السياسي الغربي المؤمن بالواقعية المستندة إلى القوة بات يعتبر أن أي دولة في الطريق وأن أي دولة في العالم تشكل تأثيرا" ما - بأي نسبة من النسب – هي هدف. اليمن يقع هنا حيث باب المندب مثلا"، هو يقع في منطقة شديدة الحيوية يمر منها 60 % من ما تحتاجه أوروبا من طاقة. يمر به ما يقرب من ثمن اقتصاد العالم، يمر به ملايين البراميل من النفط يوميا". أنت تتحدث عن بلد يمسك أي مكان من العالم وأي منطقة من العالم. لذلك البريطانيون شقوا قناة السويس لكي يصلوا إلى الهند وآسيا. باب المندب الله أوجده طبيعيا". إذا تكلفت بريطانيا ما تكلفته وإذا دفعت مصر آلاف الضحايا الذين ماتوا وهم يحفرون قناة السويس فماذا ستفعل بالنسبة لباب المندب؟ من الموجود على باب المندب؟ هذه القناة الواصلة وهذا الخط الواصل بين باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر، من هي الدول التي تقف على حدوده؟ السعودية، الكيان الصهيوني العربي المرادف للكيان الصيوني الإسرائيلي وهي كيان أساسي. هنا تقف مصر، الدولة العربية الأقوى والأكبر تاريخيا" والسودان الأكثر ثروة والأكبر حجما" في فترة من الفترات وهنا أريتريا وهنا أثيوبيا وجيبوتي. ما الذي يوجد في البحر الأحمر؟ إذا راجعت ما كتبه الصهاينة عن قيمة البحر الأحمر، هل تعرف أنه من هنا في إيلات المسماة "أم الرشراش" يوجد المنفذ البحري الإسرائيلي الوحيد باتجاه آسيا؟ وبالتالي هذا المتنفس -الذي سماه بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين "بحيرة داوود"- أي البحر الأحمر هو مدى حيوي ووجودي بالنسبة إلى الكيان الصهيوني.

    برأيك هل الأطماع الدولية باليمن هي فقط أطماع لجغرافية اليمن أم أيضا" للموارد؟
    الخطوة الأولى عندما نتحدث عن استراتيجيات المنطقة هي الموقع بداية". لاحظ مثلا" هذا الموقع الرهيب لليمن. لديه سواحل بحرية تقارب 1900 ميل أي 2400 أو 2500 على امتداد البحر. هل تعرف أن الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تبن قوة حربية بحرية رغم الموقع الإستراتيجي المهم على البحر؟ السبب هو أن القرار السياسي اليمني يتطاب أن لا يكون الأمر هكذا. عندما جاء ابراهيم الحمدي –الرئيس اليمني الشهير في سبعينات القرن العشرين – وبدأ يفكر ودعا إلى مؤتمر حول أمن البحر الأحمر، اغتيل. قتل. والذي قتله هو السعودية. إذن الموقع الحيوي الذي يؤثر على كيانات الخليج المصطنعة استعماريا"، الذي يؤثر على الكيان الصهيوني الذي يمثل أكبر مشروع استثماري غربي ربما في العالم، الذي يطل على آسيا بكاملها وصولا" إلى الصين والذي يمسك بهذه المنطقة أي صلة الوصل بين آسيا وبين أفريقيا، هنا يقف اليمن.

    من يسيطر على باب المندب يسيطر على التجارة العالمية؟
    هو ثالث أهم مضيق بحري في العالم حسب التصنيف.

    ماذا يعني السيطرة على مضيق باب المندب؟
    مضيق باب المندب يعني - كما تفضلتم أنتم في التقرير- السيطرة على حركة الإقتصاد العالمي، على حركة النفط العالمي وعلى صلة الوصل بين أوروبا أساسا" وبين الهند والصين ومن خلفها آسيا. إذا عكسنا الصورة حاليا"، ونظرنا إلى الصين وإلى الميناء الذي تحاول أن تنشأه في باكستان لتخرج منه إلى العالم سيمر من اليمن وهذا الطريق وهذا الحزام سيأتي من هنا.

    مشروع الصين الإستراتيجي لا يكتمل إلا باليمن؟
    هو سيمر بباب المندب. معلومة عن باب المندب: إذا قربنا الصورة zoom ، سنجد في المنتصف جزيرة، وهو ينقسم إلى ممرين مائيين أحدهما باتجاه جيبوتي وهو غير صالح للملاحة العميقة والآخر بطول حوالى 12 كلم تقريبا" باتجاه اليمن وهو يخضع للقانون الدولي وللسيادة اليمنية بشكل أساسي وهو الوحيد الصالح للملاحة. إذن ما سميتموه عنق الزجاجة هو باب المندب اليمني وليس الجيبوتي. بناء" عليه، إذا أخذت بعين الإعتبار أيضا" ما تمثله سومطرة ومجموعة الجزر كما نلاحظ في هذه المنطقة تقريبا" بعد باب المندب مثل جزر "زقر" و"يارين" و "حنيش" التي كانت دائما" منطقة اشتباك بين أريتريا وبين اليمن في التسعينات. 624 متر هو ارتفاع الجبل الموجود في جزيرة "زقر" أي منطقة كاشفة، وإذغ علمت أن هناك قواعد عسكرية إسرائيلية في أريتريا، وهناك ملاحة بالطرادات السريعة وبالقطع البحرية بالبحر الأحمر تستوطن في أريتريا، وإذا علمت أن هناك قاعدة عسكرية فرنسية في جيبوتي، وإذا علمت أن هناك تواجد عسكري أمريكي في جيبوتي التي أصبحت محطة كالفندق، والصومال فيها الأمريكي والإسرائيلي وغيرهم، وإذا اتجهت صوب السودان ولاحظت دخول الأتراك مؤخرا" على المنطقة البحرية، ستلاحظ أن العالم كله يتصارع في هذه المنطقة، ثم يأتي اليمن في 2014 –رغم كل ما تحدثنا عنه- ليقوم بثورة 21 سبتمبر بقيادة السيد عبد الملك الحوثي وما يمثله السيد عبد الملك من قيادة ومشروع ورؤية ليقول "اليمن لن يقسم إلى أقاليم". لاحظ أنهم قسموا اليمن في حضرة وسوقطرة وأبين وحضرموت أي المناطق التي تريدها السعودية، ثم أتى هذا القائد التاريخي بالنسبة لليمن وقال هذا ممنوع.

    لماذا الحرب ولماذا العدوان على اليمن؟
    السعودية قالت أن لديها أنبوب نفط تريد أن تمرره من هنا، وكتبت إحدى المجلات السعودية مرة" عن قناة بحرية ستمر من منطقة حضرموت وتصل السعودية ببحر العرب. الفكرة هي أن السعودي ومن خلفه الآخرين يريد الهرب من مضيق هرمز حيث توجد إيران القوة الكبرى التي لا يستطيع هؤلاء أن يتصادموا معها. الحل هو بالهرب نحو الجنوب، لذلك عندما يقولون أن حربهم في اليمن هي حرب موجهة ضد إيران، هي حرب للهروب من قدرة إيران في مضيق هرمز. ولكن لسوء حظهم أن في اليمن قوة كبيرة هي أنصار الله لديها رؤية وطنية وليس كما حاول هؤلاء أن يصوروها، ولديها مشروع وطني يمني، تريد أن تحافظ على الوحدة بعكس الإمارات التي تريد التقسيم. إن النفوذ والتحكم بمأرب والممرات التي تحدثنا عنها، جاءت هذه الثورة اليمنية بقيادة السيد عبد الملك لتقول أن اليمن ليس حديقة خلفية لأحد، اليمن ليس مجالا" كي يتلاعب به أحد، هو دولة مستقلة لها سيادة، لها سياسات، لها حق أن تتواجد في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم وأن يكون لها سياسات. كيف فهم هؤلاء الموضوع؟ فهموا أن هذه القوة اليمنية هي – بشكل أو بآخر – تصب بمصلحة الجمهورية الإسلامية لأن أنصار الله ليسوا مع أمريكا، ليسوا مع إسرئيل، ليسوا أدوات كما كان الذين من قبل الثورة، قبل السيد عبد الملك، قبل مشروع السيد حسين أي المشروع القرآني للمسيرة القرآنية. ليسوا أدوات، ليسوا مرتشين، لا يقبضون المال كما كان يقبض الكثير من السياسيين المتحكمين تاريخيا" بقرار اليمن السياسي. لم يتمكنوا من اغتيالهم كما اغتالوا الشهيد الحمدي وإن كانوا اغتالوا السيد حسين بأمر مباشر من هذه الدول وهذا المشروع لأن السيد حسين رفع شعار "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل". ماذا يعني "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"؟ يعني الموت لمصالح هؤلاء في هذه المنطقة من العالم، الموت لكياناتهم في هذه المنطقة من العالم، الموت لسياساتهم في هذه المنطقة من العالم والحياة لليمن. عندما قال السيد هذا الشعار الإستراتيجي لأنصار الله "النصر للإسلام"، الإسلام بما يمثل من هوية أمة واستقلال أمة. بهذه الحالة، تحول اليمن صاحب الموقف الجغرافي وصاحب العمق التاريخي إلى مشروع سياسي استراتيجي. كان من الضروري الحرب بالنسبة لهم، وكان من الضروري العدوان بالنسبة لهم، وكان من الضروري ما يقومون به الآن.

    أكثر من 257 ألف غارة في العدوان السعودي على اليمن، حصيلة ليست ببسيطة، كيف واجه أنصار الله هذا العدوان؟ ما هي نتيجة الدفاع الذي قابله أنصار الله ؟
    السياسة السعودية التي رسمتها بريطانيا و أدارتها بريطانيا ونفذتها بريطانيا كانت إبقاء اليمن فقيرا". التتنقيب عن النفط في اليمن بدأ سنة 1938 وانتهى سنة 1984. هل هذا معقول؟ الثروات الموجودة كالرخام والغرانيت والمياه والبن والنفط والمعادن والذهب والفضة. هذا البلد هو من أغنى بلداننا بالثروات والمواقع والممرات و لكنه فقير. السعودية – وتنفيذا" للسياسة البريطانية التي استمرت مع أمريكا – أرادت أن يبقى اليمن فقيرا"، ويجب أن يبقى ممزقا"عبر إثارة القبلية والمناطقية، وأن يبقى اليمن ضعيفا". وكلما حاول أحد القيام بمشروع يمني وطني يُقتل. عام 1962، عندما قامت حركة الضباط في اليمن وحاربتها السعودية –بمعزل عن تقييمنا لحركة 1962-، إسرائيل أقامت جسرا" جويا" وتدخلت لدعم الملكيين الموالين للسعودية في اليمن في الستينات كما تفعل الآن، أي إبقاء اليمن فقيرا" بالتمزيق ومنع قيام الدولة.

    الكيان الإسرائيلي يشارك الآن في العدوان على اليمن؟ بأي طريقة؟
    بالتأكيد. بشكل مباشر بالمعلومات، بالإدارة، بالقتال، بالغارات، بكثير من الأمور. أتظن أن السعودي يقاتل؟ لم نسمع بذلك قبلا".

    كيف يتغير وجه المنطقة بعد هذا العدوان؟
    أنصار الله اختاروا أن يواجهوا، واستراتيجيات المواجهة التي اختاروها كانت واضحة منذ البداية. أنصار الله اعتمدوا على القوة الذاتية، الشعب اليمني اعتمد على صموده بشكل أساسي وعلى ابداعه. الآن قالها السيد عبد الملك عندما بدأت الحرب على اليمن وبدأ العدوان على اليمن، كيف كان اليمن وكيف هو الآن؟ الآن اليمن دولة تصنع سلاحا"، قبل هذا العدوان لم يكن اليمن يصنع سلاحا". الجيش اليمني الآن واللجان الشعبية الآن هي في عمق المناطق التي تحتلها السعودية في نجران وعسير وجيزان. اليمن الآن بإمكانه – كما فعل – أن يضرب الرياض ودبي وخط النفط في أرامكو وأن يعطل اقتصاد العالم. أصبح دولة" تملك قرار وتواجه ست سنوات من العدوان: تحدث عن الغارات، ماذا استهدفت هذه الغارات؟ ليس فقط مدنيين بل تدمير البنية التحتية للدولة من مستشفيات ومدارس وجسور وطرقات ومراكز حيوية وإدارة ومفاصل وموانئ ومطارات. هذه ليست حرب – كما يدعون – للتخلص من انقلاب وإعادة شرعية. هي حرب لمنع أي احتمال قيام مشروع يمني وطني في بناء دولة.

    كيف سيكون وجه العالم باختصار؟
    أعتقد أن العالم قد ربح اليمن رغم كل آلام اليمن وأوجاع اليمن وتضحيات اليمن. العالم ربح اليمن أقصد العالم الحر، المقاومة ربحت اليمن، الشعب اليمني ربح اليمن. تحولت إلى قوة كبرى في أمة المقاومة وليس محور المقاومة بقيادة السيد عبد الملك ومشروعه. من الذي خسر؟ السعودية خسرت ومن خلفها كل تحالف العدوان، والسياسة الأمريكية خسرت. نعم، ضحى الشعب اليمني بدماء عزيزة وغالية، وجاع الشعب اليمني وانقطعت عنه معاشاته لسنوات وحوصر، ولكن أثبت صموده وقام بمشروعه الوطني وبإرادته الحرة واعتمد على نفسه. المعتدون خاسرون. الصامدون والمقاومون هم الرابحون في النهاية لأن بإمكان اليمن اليوم – وفي أي لحظة – أن يمنع كل ما تحدثنا عنه بقراره الوطني، وقد ضربت القوة البحرية اليمنية بعض قطع الأساطيل العسكرية المعتدية التي كانت تتجول حول اليمن. يعني لم تعد الأمور بأيديهم، أصبحت بأيدي اليمن، بأيدي المقاومين في اليمن، بأيدي الشرفاء في اليمن، بمشروع قيام دولة اليمن الحرة والمستقلة والتي ستنتصر حتما".
  • ضيوف الحلقة
    حسن شعبان – باحث في الشأن اليمني