خطوط الصراع - الصراع على مياه النيل

  • شارك
  • تاريخ الحلقة
    2020-09-10
  • التقييم
  • موضوع الحلقة
    مصر هبة النيل، لنشرح للمشاهدين قضية النيل، ما هي هذه القضية ومم يتكون النيل؟
    - النيل –كما ورد في التقرير- هو أطول نهر في العالم، هو 6650 كلم. النيل أو كما يسمى في المسميات الفرعونية "الحاعبي " أو "أيور" أو "أيوما" أو " النيليو" أو كما قيل في الوثائق الإغريقية " أيابتوس" أي القبطي وهي تعني مصر. النيل يتكون من مجموعة من الروافد، هذه الروافد تصنع نيلين أساسيين: النيل الأول هو الأصغر وهو يغذي النيل بنسبة 15 إلى 20 %، ينبع من فيكتوريا ويكون اسمه نيل فيكتوريا أو نهر فيكتوريا، يقطع 500 كلم ليصبح اسمه –قبل أن يصل إلى نيل ألبرت غلى الحدود ما بين أوغندا والكونغو- بحر الغزال، يسير قليلا" ثم يتحول إلى بحر الجبل إلى أن يدخل السودان فيتحول إسمه إلى النيل الأبيض ويستمر كذلك إلى أن يصل إلى هذه النقطة التي سنعود إليها لاحقا". الرافد الثاني الأساسي -الذي يغذي النهر العظيم ب80 % تقريبا"- يأتي من مرتفعات أو هضاب أثيوبيا، ويكون اسمه "نيل أبابا"، يقطع 1600 كلم تقريبا" أو أكثر إلى أن يدخل الأراضي السودانية من الحدود ما بين أثيوبيا والسودان ثم يتحول اسمه إلى النيل الأزرق ويلتقي في هذه النقطة. هذه النقطة بالقرب من الخرطوم اسمها "المقرن" أو باللهجة السودانية الجميلة " المغرن" حيث يلتقي فيها النيلان ويبدأ مشواره.

    ومن ثم عندما يلتقي في هذه النقطة النيل، لندخل الآن في الضرر الذي سيحصل في سد النهضة، لنحدد أين سيكون هذا السد ؟ على النيل الأبيض أم على النيل الأزرق؟
    - كي ندخل إلى إجابتك، ينبغي أن ننبه إلى الآتي: نحن نتكلم الآن عن ما يسمى بدول الحوض. دول الحوض مقسومة إلى قسمين: القسم الأول هي دول المنبع ثم دول المصب. إذا أخذنا من أقصى الجنوب فنحن نتحدث عن تنزانيا في هذه النقطة، نتحدث عن بروندي وعن رواندا وعن الكونغو وعن أوغندا ومن ثم كينيا ، أثيوبيا، ثم جنوب السودان الذي أصبح دولة ثم السودان ثم بلد المصب النهائي وهو مصر.

    أريتريا هي ضمن هذه الدول؟
    - أريتريا ليست دولة "نيلية" ولكنها عضو مراقب في المجموعة. هذه الدول العشر تشترك في نهر واحد. لا بد من تنطيم العلاقة بين هذه الدول، التنظيم مر عبر حوالى 20 اتفاقية في التاريخ من القرن التاسع عشر. لكن لو أردنا الحديث عن موضوع حلقتك أي سد النهضة فسنبدأ بمعاهدة 1902، التي كانت بين الأمبراطور الأثيوبي الملك الثاني مع بريطانيا، في هذه المعاهدة تعاهدت أثيوبيا أمام بريطانيا بأن أي مشاريع أو أعمال تقام سواء على النيل الأزرق أو بحيرة " تانا" التي هي منبع النيل الأزرق أو نهر السوباط يجب ألا تسبب أي ضرر لأي دولة متشاركة في هذا النهر.

    هي لا تعترف بهذه الإتفاقية الآن؟
    - هي لا تستطيع أن تنكر. هذا كلام في السياسة. بعد ذلك هناك اتفاقية 1929 التي تقول أثيوبيا أنها لم تكن ممثلة فيها. هذه الإتفاقية حضرت فيها بريطانيا مع مصر حيث كانت بريطانيا تمثل فيها الدول التي تستعمرها أي أوغندا وتنزانيا والسودان، وهذه الإتفاقية نظمت أيضا" العلاقة ما بين دول النيل وأعطت مصر حق الفيتو لوحدها أي الإعتراض على أي مشروع ترى مصر أنه يلحق بها أي شكل من أشكال الضرر. بعدها هناك اتفتقية 1959 بعدما قررت مصر إنشاء السد العالي، وهذه الإتفاقية كانت بين مصر والسودان لكنها لم تلغ اتفاقية 1929. أثيوبيا تقول أنها لم تكن حاضرة في اتفاقية 1929 وأنه ليس لها علاقة بما قالته بريطانيا. هذا الكلام غير صحيح لسبب بسيط جدا": صحيح أن أثيوبيا كانت مستعمرة بريطانيا" ولكن علاقات أثيوبيا وبريطانيا هي علاقات مشهودة، لعل أكبر انتصار عسكري حققته أثيوبيا كان سنة 1896 فيما عُرف بمعركة "العدوى" أو حرب العدوى حينما حاول الإيطاليون الدخول إلى أثيوبيا وانتصر الأثيوبيون انتصارا" أذهل العالم كله. إن سلاح وتدريب ودعم الأثيوبيين كان من خلال بريطانيا. إذن العلاقات ما بين بريطانيا وأثيوبيا لا يمكن لأثيوبيا أن تتبرأ منها أو أن تقول أن لا علاقة لها بها. هناك نقطة ثانية، تقول أثيوبيا أنه ليس لها علاقة، لكنها لا تنفي أن هناك اتفاقية 1929، لو ذكرنا من كان ممثلا" في هذه الإتفاقية، هناك السودان -الذي أصبح الآن السودان وجنوب السودان- ومصر وأوغندا وتنزانيا. إذن لديك كتلة من الدول الممثلة في هذا الإتفاق لا تمنح أي دولة أخرى الفيتو فيما عدا مصر.

    إذن ما الذي غير هذا الواقع، ماذا تغير من 1929 حتى الآن؟ لماذا ذهبت أثيوبيا الآن في 2011 لبناء هذا السد وهي لم تتوقف، والآن في 2020 نرى بأن أثيوبيا ستبدأ بضخ المياه؟
    - أثيوبيا فكرت أكثر من مرة في بناء سدود. منذ الخمسينات والستينات كان هناك أفكار أن تبني سدود ولكن امكانياتها المالية لم تكن تسمح، هي كانت تبحث عن بدائل، كان امامها مشروع السد العالي في مصر وحجم التنمية التي حصلت بفضل بناء السد العالي لذا كانت تحاول أن تحاكي هذه التجربة باعتبار أنها دولة شديدة الثراء مائيا" وأنها بذلك تحل مشكلة الكهرباء بالدرجة الأولى، يبقى بعد ذلك أنك تبدأ بتحسين أوضاعك اقتصاديا" وتبدأ بالتفكير في التصنيع. حق أثيوبيا أو حق أي دولة في إقامة سدود هو حق لا جدال فيه، حتى مصر لم تجادل في هذا الحق. ولكن لا يجب أن يكون ما تعتقد أنه حق يلحق ضررا" بي أنا. أثيوبيا انتهزت فرصة 2011 في ما يسمى بالربيع العربي وقررت ليس فقط الشروع في بناء سد بلا مشاورات بل حتى أنها زادت من سعة البحيرة على المخطط الذي كان موضوعا" من 14 مليار متر مكعب إلى 14 مليار متر مكعب. من العام 2011 حتى العام 2015 تقريبا"، كل ما تعهدت به أثيوبيا لم تلتزم به.

    في العام 2015 –كما شهدنا في هذه المعلومة- السودان وأثيوبيا ومصر وقعوا وثيقة اتفاق حول مبادئ سد النهضة. ما الذي غير الأحول من 2015 مرورا" بهذا العام؟
    - الذي تغير أنه أصبح هناك تفكير يستقطب أكثر من طرف دولي بأنه يجب ألا تُمكّن مصر بأي حال من الأحوال بأن تحقق نهضة حقيقية. هذا سبب. الثاني هو الغرور الذي أصاب المسؤولين الأثيوبيين وأعطاهم انطباع لأن من حق أثيوبيا أن تتعامل مع النيل باعتبار أنها الدولة المتحكمة، هي دولة المنبع الأساسي، وأنها تدعي ثأرا" تاريخيا" لم يحدث. يعني التصريحات الأثيوبية الأخيرة أن الأوان حان لننهي قصة ارتباط النيل بمصر. هناك بعض التسريبات أن على مصر أن تشتري الماء إذا أرادته. طبعا" كل هذا الكلام كان –بالأساس- بتحريض غربي ثم إسرائيلي. هنا نأتي إلى نقطة بغاية الأهمية وهي الأمن القومي. لنتحدث عن الأمن القومي لو نظرنا مجددا" إلى الخريطة. مصر مساحتها مليون كلم مربع. هذه هي حدود مصر كلها. مصر يفصلها عن ليبيا 1115 كلم، يفصلها عن البحر الأحمر 1941 كلم، يفصها عن البحر المتوسط 995 كلم، عن فلسطين يفصلها 265 كلم، ثم عن السودان 1280 كلم طبعا" عندما ننزل من جنوب السودان. هذه الحدود شيئ في منتهى الخطورة لو أنك تتعرض إلى تهديد ما.

    ومصر الآن تتعرض إلى تهديدات من ثلاث جهات؟
    - بالضبط، هناك التهديد التاريخي الذي هو من عند فلسطين، ثم هناك تهديد الدواعش المتواجدين في ليبيا في الوقت الحالي، ثم ما نحن بصدده الآن أي التهديد الذي يمكن أن يؤثر على حصة مصر النيلية. هذه المخاطر عليك أن تتعامل معها بشكل يسمح لك على الأقل بألا يتهدد أمنك القومي. وحتى هذه اللحظة، ما تدعيه أثيوبيا في بعض التصريحات هو بأنها حريصة ألا تسبب أي شكل من أشكال المخاطر ولكنها من ناحية أخرى تضرب بعرض الحائط أمن مصر المائي. أمن مصر المائي يعني أمن مصر القومي كما ورد في التقرير الإعتماد على الزراعة، الإعتماد على الصناعة وعلى مياه الشرب، مصر تعتمد على النيل بنسبة من 85 إلى 90 %.

    نحن نتابع ما يحصل في مصر، كما تفضلت الأمن القومي المصري مهدد من عدة اتجاهات، الرئيس المصري قال إنه ممكن أن يتدخل بالتهديد الذي سيحصل من ليبيا فرضا"، الخط الأحمر الذي رسمه من سرت. الآن هل يمكن للرئيس المصري أيضا" أن يلوح بتدخل عسكري في إثيوبيا أو أن الأمور ذاهبة باتجاه التفاوض أكثر؟
    - الخطاب العسكري عندما يطرح في الأزمة مع ليبيا فهذا وارد أن يناقش. هناك حدود مباشرة بين مصر وليبيا كما قلنا 1115 كلم، الجيش المصري جيش قوي جدا"، لا يمكن أن تكون هناك فرصة للمقارنة بين قدرات الجيش المصري وبين قدرات أية قورة يتم الإستعانة بها في ليبيا، والبرلمان المصري صادق منذ أيام على مسألة خروج قوات عسكرية مصرية من مصر لتنفيذ عمليات على أرض أخرى. بالنسبة لأثيوبيا الوضع مختلف: أولا" المسافة بيم مصر وأثيوبيا أكثر من 2000 كلم مربع. صحيح أنه لا مجال للمقارنة بين قدرات مصر العسكرية وبين قدرات أثيوبيا العسكرية ولكن لنتذكر أن أثيوبيا مدعومة عسكريا" أو سياسيا" أو امنيا" أو اقتصاديا" من أكثر من دولة. مثلا" الصين لديها استثمارات كبيرة جدا" ووفرت جزءا" كبيرا" من تمويل السد، قطر مولت بقسط أكبر، ليس هذا فحسب، المملكة العربية السعودية أيضا" لتنذكر في سنة 2016 تمت زيارة رسمية من وفد سعودي رفيع المستوى لأثيوبيا حيث زاروا منطقة السد، وهناك ملياردير سعودي اسمه محمد حسين العموري استثمر مبالغ بالملايين في السد.

    هذا التواجد في أثيوبيا هو الذي يدفع مصر إلى التريث بالتدخل العسكري؟
    - هذا الوجود السعودي سبب في 2016 أزمة بين مصر والسعودية. حصلت أزمتان: الأزمة الأولى عندما صوتت مصر لصالح سوريا في مجلس الأمن فقامت السعودية بقطع البنزين عن مصر، وكان هناك تصريح مصري شهير أنهم يعيروننا بفقرنا. هذه الزيارة أوجدت أيضا" شكل من أشكال التوتر في العلاقات ما بين مصر والسعودية ولا يمكن لأحد أن ينفي أن السعودية لديها استثمارات. أضف إلى ذلك المباركة الأمريكية، أمريكا تدعي أنها –في هذا الملف- على الحياد ولكن في الممارسات على الأرض هي تدعم أثيوبيا. لنتذكر عندما كنا نقول أن تبشير كوندوليزا رايس بشرق أوسط جديد أو شرق أوسط كبير، كانت القصة كلها تنتهي ثم تبقى مصر الجائزة الكبرى.

    لمن هذه الجائزة؟
    - لصالح إسرائيل. الكيان العنصري الصهيوني فقير مائيا". بعض الآاراء المسربة تقول أنه قد تتحول بعض المواقف الأثيوبية إلى النقيض إذا وافقت مصر على مد نهر النيل أو ايصال النهر إلى الكيان العنصري الصهيوني.

    دعنا نتحدث عن سد النهضة تحديدا". سؤال يُطرح: ألا يحق لأثيوبيا بمكان ما أن تأخذ لو القليل من هذه المياه أو تستفيد من مياه نهر النيل؟
    - كما قلنا من حق أي دولة نيلية أو نهرية أن تستفيد ولكن بشرط ألا تُلحق هذه الإستفادة ضررا" بالأطراف الأخرى. المشكلة لدى مصر ليست أن أثيوبيا تبني سدا"، تستطيع ذلك لو شاءت. كما ورد في التقرير لديكم، بحيرة السد تحوي 74 مليار متر، يتم الملئ في 7 سنوات ما يعني أن حصة مصر من المياه لن تنقص. مصر يصلها تقريبا" 52 مليار متر مكعب من المياه كل سنة أي أنها لن تشعر بتأثير كما لو كان لديك كوب ماء تريد ملأه، إما أن تملأه من الحنفية نقطة نقطة من دون أن تشعر أو أنك تفتح الحنفية وتملأها دفعة واحدة، وهذا يعني أن جارك لو كان شريكا" معك في خط إمداد واحد فالمياه ستنقطع لديه أو سيقل تدفقها. إذا قل تدفق المياه بالنسبة لمصر فأنت تتحدث عن كارثة حقيقية يمكن أن تلحق بمصر.

    أليس من المستغرب ونحن نسمع كثيرا" عن الأزمة بين مصر وأثيوبيا أن نرى موقع السودان في الوسط ولا نسمع إلا أصوات خجولة من السودان وكأن السودان لم يتأثر بهذا المشروع؟
    - السودان بدأ يتأثر بالفعل. منذ أيام بدأت المرحلة الأولى من الملئ، هذه المرحلة الأولى لم تبدأ بقرار أثيوبي. كي تبدأ بالملئ عليك أن تقفل بوابات السد.

    بقرار من بدأ إقفال السد؟

    - الأمطار الموسمية بدأت بالهطول وملئت جزءاً وهذا لا يضر مصر أبداً لأن هذا المطر من رب العالمين. المشكلة هي عندما تقفل البوابات كي تبدأ بملئ وحجز المياه.

    قرار إقفال السد هو قرار أثيوبي أم قرار خارجي؟
    - طبعا" هو قرار أثيوبي أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى وللأسف بعض الأطراف العربية والإقليمية الأخرى شريكة في هذا.

    عندما يصل الأمر إلى الأمن القومي المصري، ستقف مصر لتواجه العدو الإسرائيلي؟
    - الحقيقة أن هناك أوراق قوة بيد مصر تستطيع أن تحركها. أولا" أنت لديك القانون الدولي والإتفاقات النيلية. في القانون الدولي لديك 3 محطات أو مرجعيات تساند موقف مصر بشكل قوي جدا": أنت تتحدث عن قواعد "هلسنكي" التي وضعت في السويد عام 1966 عبر جمعية القانون الدولي والتي نظمت العلاقات المائية العذبة التي يمكن أن تجمع عدة دول. بعد قواعد هلسنكي هناك قواعد برلين سنة 2004 التي عدلت قليلا" قواعد هلسنكي ولكنها حفظت لكل الدول المتشاركة في المياه بحقها في ألا يلحق بها أي ضرر. وبعدها هناك اتفاقية الأمم المتحدة التي وضعت عام 1997. كل هذا إذا أضفت إليه الإتفاقيات المبرمة حول النيل تحديدا"، لديك كارت القانون الدولي في صالح مصر والإتفاقيات كلها في صالح مصر. لا يمكن لأثيوبيا إذا تعامل المجتمع الدولي بشكل محايد وبشكل منصف مع هذه القضية، لا أحد يستطيع أن ينكر. ثم هناك أمور أخرى في منتهى الأهمية. دعني أتحدث عن أمر لم يتحدث عنه أحد مسبقا"، فلنرجع إلى الخريطة من بعد إذنك، لو دققنا النظر في أثيوبيا، سنكتشف أن أثيوبيا دولة لا تطل أبدا" على بحر. إذن من أين تصدر وتستورد أثيوبيا؟ أثيوبيا تستورد وتصدر عن طريق دولتين: الدولة الأولى هي أريتريا والدولة الثانية هي جيبوتي. قبل الحديث عن أريتريا، لنتذكر أن جيبوتي هي دولة عربية وهذه كارثة من الكوارث، أين جيبوتي مما يحصل؟ كما قُدم لبعض المسؤولين العسكريين والسياسيين في السودان إغراءات بأن التعامل بشكل أحسن مع أمريكا والعدو الصهيوني يمكن أن يفتح أبواب التنمية، لذا لعب السودان أدوارا" عليها ملاحظات كثيرة في السد، جيبوتي سكتت، أريتريا دولة لديها حرفة غير عادية في التعامل مع أثيوبيا وكسر الغرور الأثيوبي من خلال سنوات النضال العظيمة التي خاضتها أريتريا. أريتريا كانت في لحظة من اللحظات متوجهة لتكون عضوا" في جامعة الدول العربية ولكن للأسف السعودية منعت ذلك بإيعاز غربي لأن أريتريا إذا ما أصبحت عضو في جامعة الجول العربية فسيصبح البحر الأحمر كما قال جمال عبد الناصر بالكامل بحرا" عربيا" صرفا" وهو ما لا تريده السعودية ولا تريده إسرائيل لأن إسرائيل عندما استفحلت المشكلة في اليمن وصار هناك خوف من منطقة باب المندب، وضعت قواعد عسكرية في أريتريا لحفظ أمنها. مشكلة الأمن القومي أنه لديك بوابتان: بوابة من فوق للأسف وفيها تهديد صهيوني على البحر الأحمر، ولديك بوابة أخرى في باب المندب قد يحصل منها أي تهديد. من الأوراق التي يمكن أن تلعبها مصر وتقويها هي أن تعرف كيف تتعامل مع جيبوتي أو أريتريا، لماذا؟ هنا نتحدث عن كارت قوي جدا" اسمه قناة السويس. لا يحق لمصر أبدا" أن تقفل قناة السويس في وجه أي دولة إلا في حالة واحدة إذا أُعلنت حالة حرب بين مصر وبين هذه الدولة. أن برأيي أن أثيوبيا إذا تمادت ومصر أعلنت حالة الحرب، تستطيع مصر أن تمنع السفن الجيبوتية والسفن الأريترية التي تحمل بضاعة من أو إلى أثيوبيا من المرور عبر قناة السويس إلى أي دولة أخرى.

    ورقة قناة السويس هي أقوى ربما من الضربة العسكرية؟
    - سأضرب مثال، لنفترض أن مصر نفذت ضربة عسكرية للسد. أولا" كي تضرب السد يجب أن تضربه قبل أن يمتلئ. لو ضربت السد بعد امتلائه فهذه كارثة، كارثة حقيقية. ما أدراك في ظل ما تشهده المنطقة من غارات تنفذها طائرات مجهولة التي تضرب بعض القوى الداعشية على سبيل المثال أن يقوم طيران مجهول بتنفيذ غارة على السد العالي فإثيوبيا لن تقف متفرجة إلا إذا وصلت إلى مرحلة ما يسمى بالعامية ب" يا روح ما بعدك رووح". هنا يصبح أمامك خياران: إما أن تخوض حربا" ضد أثيوبيا أو أن تموت.

    سمعنا في الأيام الماضية أنه قد نذهب إلى اتفاق حول هذا السد عبر دول أفريقية سيكون لها دور في أي اتفاق جديد، برأيك هل سيبصر النور أي اتفاق جديد، هل يمكن أن تتنازل أثيوبيا عن موضوع الثلاث سنوات؟
    - ليس أمامك سوى أن تعول على ذلك ولا أريد أن أقول تراهن، إذا رجعنا بالذاكرة قليلا" للمحادثات الثنائية أو اللقاءات الثنائية التي تمت، عندما كان "آبي أحمدي" آخر زيارة له في جمهورية مصر العربية حصل موقف كوميدي نتيجة تراجع أثيوبيا وانكارها وتملصها من كل التزاماتها، وصل الأمر أن الرئيس المصري قال لرئيس الوزراء على الهواء مباشرة "طب احلف"، فالثاني حلف واقسم أن أثيوبيا لن تتسبب في أي ضرر مائي بالنسبة لمصر، وما إن رجع الرجل ووصل أديس أبابا عادوا ونفوا كل الكلام وتملصوا من كل الإتفاقات. لنضع هنا عنوانا" عريضا" جدا" "الأزمة في سد النهضة ليست أزمة مائية وليست أزمة كهربائية وليست أزمة كهرومائية، هي أزمة سياسية".

    لكن برأيك في هذه القضية يمكن أن يأخذ الجانب المصري تعهدا" من خلال الحلف و يبني عليه؟
    - أنت عملت معهم اتفاقات بالقانون وبالتفاهم وبالتوقيع بالأحرف الأولى وبالتوقيع النهائي، على مدار اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات عديدة، وكانت تتملص منها. قلت لك الموقف كان كوميدي. أنت تسألني هل من الممكن أن نراهن على اتفاق جديد، أقول أنك مضطر ولكنك لن تلتزم. أنت وصلت لدرجة أنك جعلت الرجل يحلف ومع ذلك تملص.

    السؤال الأخير خلال هذه الحلقة، هل هناك دول إقليمية تحاول ابتزاز مصر في هذا الملف ومقابل ماذا؟ من هي هذه الدول؟
    - طبعا" إسرائيل أحيانا" بشكل مباشر وأحيانا" بشكل غير مباشر. إسرائيل ليس لها مصلحة أبدا" في أن مصر تسترد عافيتها وأن تبدأ مصر بالرجوع لدورها الإقليمي ودورها العربي. مصر يجب أن تظل مأزومة، مصر يجب أن تظل مديونة، مصر يجب أن تبقى فقيرة، مصر يجب أن تبقى في صراع. تركيا لديها مشروع تحاول أن تنفذه هنا حيث يأتي أحد خطوط التهديد في ليبيا والدور التركي فيها، أيضا" هي من خلال العلاقات حيث تقوم بزيارات علنية بلا أي مناسبة.

    تركيا تلعب ورقة نهر النيل مقابل ورقة ليبيا برأيك أي تريد أن تقدم مصر تنازلات في ليبيا؟
    - تركيا ليست دولة ساذجة، هي تعلم بأن مسألة ليبيا بالنسبة لمصر هي مسألة حياة أو موت كمسألة السد. هي تقول بأن زيادة الخير خير.

    من مِن الدول الإقليمية أيضا" تحاول أن تستفز؟
    - هناك الدول التي تمول سواء أكانت هذه الدول تعلن أنها على خصام كقطر. أنت قلت في التقرير أن التكلفة تصل إلى 5 مليار، كل ما استطاعت أثيوبيا أن تجمعه بالضرائب والسندات ومن الشع لا يصل لمبلغ 400 مليون دولار أي لم تصل حتى لنصف مليار.

    برأيك من الذي يمول؟
    - الصين لديها استثمارات، إسرائيل لديها تسهيلات، أمريكا لديها تسهيلات، قطر تمول، السعودية تمول، قلنا السعودية سنة 2016عملت زيارة وهناك الملياردير السعودي من أصل أثيوبي محمد حسين العموري. هناك أناس تفكر في المكسب الصرف كمحمد العموري الذي فكر في المكسب ولم يفكر في الإستثمار، لماذا؟ لأن أثيوبيا استطاعت أن تغري العديد من دول الحوض وتكسب دعمها ومساندتها، هي وعدتها أن تعطيها كهرباء بأسعار زهيدة.
  • ضيوف الحلقة
    عمرو ناصيف - إعلامي مصري