الحبل المتين - شهر تقوية الأمل بالفرج

  • شارك
  • تاريخ الحلقة
    2019-05-08
  • التقييم
  • موضوع الحلقة
    ينبغي النظر إلى شهر رمضان المبارك على أنه شهر صاحب الزمان(عج)
    شهر رمضان المبارك هو شهر تقوية الأمل بالفرج
    وشهر الدعاء والتوسّل عند أعتاب الله من أجل الظهور
    علينا في آداب شهر رمضان المبارك وتقاليدنا المتصلة به
    أن نرفع من مستوى اهتمامنا بصاحب العصر أرواحنا له الفداء
    فحين يزيد أربابُ تلاوة القرآن، وأهل العبادة والمناجاة..
    وأصحاب التفكّر في هذا الشهر
    حين يزيدون من اهتمامهم بصاحب العصر(عج)
    سيدركون مدى اختلاف شهر رمضانهم هذا عن سواه
    فهو أمر محسوس ويمكن استشعاره
    فالإمام المهدي(ع) ليس في غيب مطلق
    نعم، هو خلف سُتُر الغيبة، لكنه موجود.. إنه حاضر..
    وفرَجُه ليس كبُعد القيامة.. على أن القيامة نفسها ليست أمراً بعيداً
    لكننا حقّاً نتوقّع حدوثَه في وقتٍ ما..
    وهو سيقع حقاً في وقتٍ ما في هذه الدنيا، ونأمل أن يكون قريباً
    ذكرنا في الحلقة الفائتة دواعي شتّى
    تجعل من هذ الشهر بالنسبة لنا شهرَ صاحب الزمان(ع)
    وتُصيّره لنا شهر دعاءٍ للفرج
    وإنّ من هذه الدواعي دعاء الافتتاح هذا نفسه
    الذي سيكون لنا سويّة على مائدته حوار في هذه الليالي
    في هذا الدعاء، الذي أُوصِيَ بتلاوته كل ليلة
    خُصّص ثُلُثه تقريباً لمسألة الظهور، ونهج حُكْم الإمام(ع)، وتمنّي فرَجِه
    هذا الدعاء، ومع احتوائه على مضامين روحانية وعرفانية عالية جداً
    نراه يُولي القضايا الاجتماعية اهتماماً كبيراً
    ويتطرق إلى مواضيع مثل الاستكبار العالمي، وسقوطه على يد الله سبحانه
    والصراخ بوجه المستكبرين، وتمنّي إبادتهم على يد صاحب الزمان(عج)
    إنها مواضيع يتناولها هذا الدعاء العالي المضامين والطافح بالروحانية
    وإذا تلونا جانباً من الدعاء سويّة
    لرأينا أن قسماً عظيماً منه، قد يصل إلى ثُلثه، مَصوغٌ بلسان الحمد
    وقد ذُكر هذا المعنى في مستهل الدعاء حين يقول:
    «اللَّهُمَّ إِنِّي‏ أَفْتَتِحُ‏ الثَّنَاءَ بِحَمْدِكَ»
    بل لقد ورَدَ المَنع عن أئمة الهدى(ع) من بدء الدعاء دون الثناء على الله
    وأنّ أفضل ثناءٍ على الله هو حمدُه
    فكيف لنا أن نمتدح الله تعالى ليكون مصداقاً للثناء عليه؟
    قيل إنّ أفضل الثناء الحمد
    ولعل المؤمنين، فيما يخصّ الحمد، ملتفتون تماماً
    إلى أن مجيء سورة الحمد في مطلع القرآن الكريم
    يشير إلى المنزلة التي ينبغي أن نراها للحمد
    ولو أردنا الكلام بلغة أهل العصر لقلنا:
    إن في الحمد نظرة إيجابية هي غاية في العُمق
    بل لقد أُوصِينا بأن لا ندعو الله قبل أن نحمده
    فمن أدب الدعاء أن تشكر الله قبل البدء به
    فنحن في الدعاء
    نذكر ما ينقصُنا وما نحن بجاجة إليه ومحرومين منه
    بل نستجدي الله، حتى في المسائل المعنوية، ليتلطّف علينا بما نسأله!
    لكن قبل أن نُحصي ما ينقصنا
    فإنّ مقتضى الأدب هو أن نعدّد ما أنعم الله به علينا وإنْ باختصار
    فما أروع قولهم(ع) في الحديث حول أدب الدعاء
    من «أَنَّ الْمِدْحَةَ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا دَعَوْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَمَجِّدْهُ»
    حتى وإن كان مراد العبد مجرد الاستغفار
    فليحمد الله على القرآن الذي أُتحِفَ به..
    وليحمده على رسوله.. وليحمده على أوليائه..
    وليحمد الله، كما حمده أبو عبد الله الحسين(ع) في دعاء عرفة
    على أنه وُلد في زمن خاتم الأنبياء(ص)
    وليحمد الله على أن وهبه إمكانية الهداية
    الحمد في غاية الأهمية
    فالدعاء ليس للسلبيين
    فإن كانت معنويات المرء سلبية ونظرته إلى العالم سلبية
    فعليه أن يداوم على حمد الله ويستمر في تلقين نفسه بشكره عز وجل
    إلى أن يخرج من حالته السلبية هذه إلى حالة إيجابية
    ومن ثم يسأل الله ما يريد
    في دعاء الافتتاح
    وإن إحدى وظائف الدعاء أساساً التلقين وتربية الداعي عن طريق التلقين
    نرى أن الحمد تكرر على الأقل، وفقاً للإحصائية التي أجريتُها
    قد تكرر نحو 15 مرة ضمن فقرات طويلة نسبياً
    على أنه تكرر في بعض هذه الفقرات بضع مرات
    لكن مجيئه معطوفاً بالواو جعلني لا أحصيه على حدة
    إذن 15 مرة في هذا الدعاء القصير، الذي لا يتجاوز الثلاث صفحات تقريباً
    يدور الكلام – في نحو صفحة ونصف - عن حمد الله
    وما إن تروا الدعاء يبالغ في الحمد لله، كدعاء عرفة مثلاً
    فاعلموا أنه ينبعث من قلب نيّر..
    وأنه ينير القلوب بقوة..
    فإذا أخذ الإنسانُ، الذي يعيش مع كل احتياجاته..
    ومع كل همومه ومخاوفه... مخاوفه المتّصلة برفع نقائصه..
    الإنسان الذي يعيش بكل أحزانه..
    أحزانه بسبب ما واجهه ويواجهه إلى الآن من مآسٍ
    فإن أخذ هذا الإنسان لحظةَ جلوسه في محراب عبادته
    يكرّر شُكره لرب العباد وامتنانه منه
    فسيحدث أثناء هذا الدعاء شيء عظيم للغاية
    وهو تهيئة هذا الإنسان لامتلاكه نظرة إيجابية
    تهيئته، بل وتربيته على أن يكون إيجابياً
    فسيقود الدعاء نفسُه، سيّما هذه الأدعية المأثورة عن أئمة الهدى(ع)
    ولاسيما دعاء الافتتاح هذا
    سيقود إلى تحسّن حال الداعي
    فحينما نشكر الله في حضرته فإنّ لهذا الشكر أثراً وضعياً
    فكأنّه يضاعف النعمة في اللحظة ذاتها
    ويزيد من بركة نعمةٍ ما لنا
    في اللحظة ذاتها.. فهو تعالى يقول: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنَّكُم»
    أي إذا ما شكرتم فسأزيدكم نعمةً
    بل لعل الأدق أن نقول إن معنى قوله «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنَّكُم»
    أنه إذا شكرتم لكبِرتُم أنتم.. ولزِدتُم أنفسُكم
    ولاتّسع وجودُكم أنتم..
    فإذا حمدَ الإنسانُ اللهَ وأثنى عليه
    كان دعاؤه بعد حمدِه أقربَ إلى الإجابة عند ربّ العالمين
    فأحد أوجه الحمد هو الرضى بما رضي الله به.. والرضى بمقدّراته
    فلنذكر، على الأقل، الجزء الذي نحن راضون عنه
    يقول الإمام الحسن المجتبى(ع) في حديث شريف له:
    «أَنَا الضَّامِنُ‏ لِمَنْ لَمْ يَهْجُسْ فِي قَلْبِهِ إِلاّ الرِّضَا [بما قسمه الله له]
    أَنْ يَدْعُوَ اللهَ فَيُسْتَجَابَ لَهُ» أيّاً كان دعاؤه
    على أن بإمكاننا، حتى بالنسبة لحاجاتنا المهمة جدّاً
    أن نكون بهذه الروح نفسها، روحُ إحساس الرضى، لدى سؤالنا الله إياها
    من بين ألوان الحمد الواردة في دعاء الافتتاح
    جاءت فقرة، ولعله الحمد الثاني عشر، سأتلوها على أحبتي
    يقول: «الْحَمْدُ لِلهِ‏ الَّذِي‏ يُؤْمِنُ‏ الْخَائِفِينَ وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ
    وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرِين‏»
    فإنما الحمد للإله الذي يجعل الخائفين في مأمن وينقذ الصالحين
    وهو الذي سيرفع المستضعفين عالياً، وسيبيد المستكبرين ويذلّهم
    والحق إن الوضع الآن هو هذا
    فلقد كان للمستكبرين يوماً عزة وشوكة في أنظار الناس
    فالمستكبرون كانوا في زمنٍ يظلمون وينهبون
    بل وكان الآخرون، إلى جانب ذلك، يتمنّون التشبّه بهم والتزلّف إليهم
    أما اليوم، فالحقّ إن ممهّدات «يضع المستكبرين» مُعَدّة
    فالعالم كله يصرخ "الموت لأمريكا!"
    وهذا هو تحديداً انهيار مستكبري العالم
    «وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِين»
    إنما الحمد للرب الذي يُهلك ملوك العالم المستكبرين، ويولّي غيرهم محلَّهم
    «وَالْحَمْدُ لِلهِ قَاصِمِ‏ الْجَبَّارِينَ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الْهَارِبِينَ، نَكَالِ الظَّالِمِينَ
    صَرِيخِ الْمُسْتَصْرِخِينَ، مَوْضِعِ حَاجَاتِ الطَّالِبِينَ، مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنِين»
    لاحظوا.. الدعاء ذاته، وعلى سبيل المقدمة، ولعل هذا في صفحته الثانية
    يهيّئنا، عبر الحمد، للدعاء من أجل الفرج
    هذا الحمد يضعنا على جادة الانتظار
    وهو بحد ذاته، مقدّمة تُعِدّ الإنسان من أنه: بهذه النظرة أنا أنظر إلى الله
    وأرى أنه إله الأمة أيضاً..
    إنه إله الحضارة.. الإله الذي يقلب ملوك العالم رأساً على عقب
    وأَعتبرهُ إله تغيير أحوال المستكبرين.. وتغيير أوضاع المستضعفين أيضاً
    كم هو رائع!.. أن يتناول المرء في دعائه.. ولدى مناجاته الخاصة
    هاهنا بلسان الحمد... ثم، بعد ذلك، بلسان التوسّل والمسألة
    أن يتناول قضايا الأمة وقضايا العالم!
    وهذا مؤشّر على أن هذا الإنسان إنسان عظيم.. وليس حقيراً
    صحيح أننا جميعاً صغار حقراء إزاء رب العالمين
    غير أن الله تعالى يُحبّ عظَمَة عبادِه
    وعظمة الإنسان هي في حَملِه هموماً كبرى
    ونأمل في هذا الشهر الفضيل
    أن نُظهر لله أننا نحمل هموماً كبرى تتصل بالانتظار والفرج
    ونتمكّن في حضرته من تلقّي ما يريد رمضان منحَنا إيّاه من السعة الوجودية
    من تلقي هذه السعة وإظهارها لله
    وأن نمتلك السعة الوجودية هذه بالتمنّي الجاد للظهور
    والتطلّع إلى الدولة الكريمة لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء