الحبل المتين - إلزام النفس بقراة دعاء الإفتتاح يوميا

  • شارك
  • تاريخ الحلقة
    2019-05-12
  • التقييم
  • موضوع الحلقة
    دعاء الافتتاح، وهو دعاء في منتهى النفاسة والعظمة
    يُلفت أنظارنا في ليالي شهر رمضان المبارك بقوة
    إلى صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء
    من الجميل جداً أن نأنس بهذا الدعاء أثناء ليالي شهر رمضان المبارك
    ونُلزم أنفسنا به كل ليلة من الشهر كما كان يفعل أحد النواب الأربعة
    يبدأ الدعاء بحمد الله والثناء عليه ويُحسّن علاقتنا مع ربنا
    ولا ريب أن باستطاعة جميع الأذكار المأثورة أن تحسّن أحوالنا
    وأن تزيد من نصيبنا من الله جل وعلا، وتزوّدنا بمنهاج دقيق للذكر
    فمن الأسباب التي تدفعنا للرجوع إلى نصوص الأدعية
    هي أن أولياء الله أعلم بالأذكار التي من شأنها أن تشافي قلوبنا
    ففي المأثور: «وذكره شفاء»؛ ذكر الله شفاء لأمراضنا
    لكن: ذكر أي اسم هو أنجع في شفائنا؟
    فمن الطبيعي أن أولئك الذين هم أطباء عالم الخلقة وأولياء الله أعلم به
    من الآثار الجيدة للأدعية، ولاسيما لدعاء الافتتاح هذا
    هي أننا، مع هذه الأذكار، نغدو متواضعين لله تعالى
    يزول تكبّرنا.. ونزداد خضوعاً
    هذا التواضع الذي ينتاب كيان الإنسان أثناء الدعاء
    ضروري للداعي ليذكر صاحب العصر والزمان(ع)
    ويستذكر الفرج والظهور، ويتوق لهذا الفرج
    ما هي النفسيات التي تميل إلى صاحب الزمان(عج)؟
    المتكبرون لا يملكون الميل له(ع)!
    المتواضعون هم المستعدون لتلاوة دعاء الندبة، ودعاء العهد
    والمتواضعون، الذي خضعوا وتواضعوا في حضرة ربهم
    هم الذين بإمكانهم تمنّي الفرج
    إن ثمة رباطاً وثيقاً وقوياً بين التواضع في حضرة الرب وتمني الفرج
    فالأفئدة والنفسيات المُترعة بالكِبر لا ريب أنها لا تأتلف مع قضية الفرج
    عموماً هي ليست غير مُحبّة للفرج فحسب
    بل لعلها تبغض هذه الأمور أيضاً!
    ودعاء الافتتاح هذا، شأن سائر الأدعية
    يزرع فينا، في مقدمته، التواضع بين يدي الله تعالى
    ويُجري على ألسنتنا من العبارات ما يساعدنا في هذا المضمار
    فإذا تواضعنا بالقدر الكافي بين يدي رب الأرباب
    سنستطيع تمنّي الفرج، والحديث عن مولانا، والشكوى من غُربته، ..الخ
    التفتوا إلى بعض هذه العبارات:
    «الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَيْسَ‏ لَهُ‏ مُنَازِعٌ‏ يُعَادِلُهُ وَلا شَبِيهٌ يُشَاكِلُهُ وَلا ظَهِيرٌ يُعَاضِدُهُ
    قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الأَعِزَّاءَ وَتَوَاضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَمَاءُ فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مَا يَشَاء»
    جميل جداً.. عباد الله يحبّون التحدّث عن عظمة الله.. يلتذّون بذلك
    وقد يسعنا القول تشبيهاً: هم أشبه بالأطفال المولعين بالكلام عن قوة أبويهم
    فالذين لا يلتذّون بالحديث عن قدرة الله تعالى
    يُحتمَل أن تشكوا أنفسُهم، إلى جانب الغفلة، الكِبر
    أما عباد الله المتواضعون فيلَذّ لهم جداً الخوض في قدرة الله وقوّته
    ومن الجلي تماماً أن أولياء الله يلتذّون بهذا في الأدعية.. بشتى التعابير:
    «قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الأَعِزَّاءَ» كل كريم عزيز تراه مقهوراً أمام عزة الله
    «تَوَاضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَمَاءُ» ما من عظيم وكبير إلا ويتواضع بين يديه
    وهكذا مثلها.. وترون أيضاً في عبارة أخرى:
    «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ (تهتز) السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا
    وَتَرْجُفُ الْأَرْضُ وَعُمَّارُهَا وَتَمُوجُ الْبِحَارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَرَاتِهَا»
    بأيّ روعة يتحدث عن عظمة الله!
    لكننا قلّما نتحدث، حتى في أشعارنا وغزليّاتنا ومناجاتنا، عن عظمة الله!
    بالطبع يطيب لنا جداً أن نتكلم عن رحمة الله وعن مغفرته وعن محبته
    وهي أمور ضرورية جداً.. فمهما تحدثنا عن رحمة الله فهو قليل
    لكن لا يخطر على بال المرء بهذه البساطة بأن يُنشد تغزُّلاً بعظمة المعبود!
    والحال أن الالتفات إلى عظمة المعبود هو من الضرورة
    بحيث إنه يتعيّن عليك في الصلاة أن تُقرنه بحركة جسدية
    فلا جدوى في أن تجلس وتردد الأذكار
    فـ«سبحان ربي العظيم وبحمده» نقولها ونحن راكعون
    و«سبحان ربي الأعلى وبحمده» نقولها وقد هوينا إلى السجود
    ونسجد مرتين في كل ركعة
    أيّ أسرار تحتجب وراء حقيقة أنهم أرادونا أن نُلقّن أنفسنا بتصرّفاتنا؟!
    فنحن في هذا الدعاء نلقّن أنفسنا عظمةَ الله من خلال هذه الألفاظ
    وفي الصلاة نلقّنها بالألفاظ وبالحركات
    عجيبة جداً هذه الصلاة! ولا يتناقص عجَبُها في عيني على الإطلاق!
    فكيف نُؤمَر.. نُؤمَر نحن؟! بل كيف يُؤمَر أولياء الله
    بأن عليكم لدى تواضعكم عند مقام الرب أن تتخذوا هيئة كذا.. السجود!
    ثم إن أولياء الله كانوا يطيلون السجود
    وفي الحديث ان حكمة الصلاة أساساً هي طرد التكبر من قلب الإنسان
    «إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِم»
    وإننا لمُعرَّضون للتكبّر على الدوام
    فإننا أناسٌ لولا الكثير مما يقيّدنا لما قَدِر امرُؤ على انتزاع شعور الكبر منّا
    فجميع ما يلمّ بنا من مشاكل ويقيّدنا من قيود ونتعرض له من صدمات
    وكل ما نعانيه من ضعف.. هي أمور تعمل على ضبطنا لتُبدّد عنّا الكِبر
    ومع هذا كله فإننا بحاجة أيضاً إلى التنبيه.. بحاجة أيضاً إلى الدعاء
    لا يستطيع عجزُنا هذا كله أن ينأى بنا عن التكبّر
    ما زلنا بحاجة إلى الصلاة لدرء التكبّر
    والآن من أجل التفكير، في هذا الدعاء، في صيرورة رمضاننا مهدوياً
    ترون أنه حينما يتكلم الدعاء في مقدمته ذات الذكر والحمد والثناء
    عن عظمة الله تعالى فهو يُكسِبنا، في المقابل، التواضع
    وما لم يظهر التواضع في القلب
    يتعذّر على المرء أن يُظهر لأولياء الله كل هذا الاحترام
    فإنْ حلَّ التواضع في القلب استطاع صاحبه التفوّه بالصلوات
    الواردة في الدعاء على النبي الأعظم(ص) وأولياء الله(ع)
    وكم هي مفعمة بالاحترام والتواضع هذه الصلوات!
    «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَمِينِكَ وَصَفِيِّكَ وَحَبِيبِكَ
    وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَحَافِظِ سِرِّكَ‏ وَمُبَلِّغِ‏ رِسَالاتِكَ»
    إلى هنا وصفٌ للنبي الأكرم(ص)
    «أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ وَأَزْكَى وَأَنْمَى وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ
    وَأَسْنَى وَأَكْثَرَ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ‏
    عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفْوَتِكَ
    وَأَهْلِ الْكَرَامَةِ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِك»
    يأتي على ذكر كل هذه الأوصاف الحاكية لمحاسن النبي(ص) وفضائله
    إنها لمؤشّر على التواضع الباطني
    إنه استمرار لنفس التواضع الحاصل أو المُعزَّز من جُمَل الدعاء السابقة
    إذن فحين يغرسون فينا عبر الأدعية التواضع تجاه مقام الرب
    فإن لهم بذلك غرضاً، بل أغراضاً، وأغراضاً جِدُّ مهمة
    مثل تطهير القلب من الكِبر
    لكن ما الصلة بين إزالة التكبّر من أفئدتنا بالدعاء
    وبين تحوّل رمضاننا إلى شهر مهدوي؟
    أساساً إن المستعد للتواضع لأولياء الله
    هو ذلك الذي طهّره الله عند أعتابه من التكبّر
    ليس دعاء الافتتاح، بل لو تلوت دعاء أبي حمزة الثمالي أيضاً
    أو قرأت دعاء كميل جيداً، أو حسّنتَ صلاتك، أو أتقنتَ صومك
    فلا بد أن يتبدَّى التواضع في قلبك
    فإذا ظهر التواضع في القلب تعاظم تمنّي الظهور والفرج
    وازداد تمنّي العيش تحت ظل صاحب الزمان أرواحنا له الفداء
    فمَن الذين لا يتمنون ذلك؟
    إنهم أهل العصيان والاستكبار..
    إنهم الذين لم يتواضعوا يوماً أمام حضرة الرب..
    فعن الإمام الصادق(ع): «وَلايَتُنَا وَلايَةُ الله» واستمرار لها
    فالذي لا يتواضع بالصلاة بين يدي الله
    سوف لا يتمنى الفرج ولا العيش تحت ظل ولي الله
    فهي أمور على خط واحد ولا فرق بينها
    فلو أمضينا شهر رمضان على أتمّ وجه
    وأحسنّا صلواته، وهي الأكثر ثواباً، لأن كل شيء فيه هو الأكثر ثواباً
    وتلونا القرآن فلم يُورِثنا الخشوع وهو القائل:
    «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ»
    (إذ لو أكسبَنا القرآنُ التواضعَ للَمَسنا ازدياد تمني الظهور في أنفسنا)
    (أقول:) إذا لم يجعلنا القرآنُ، ولا رمضانُ ولا صلاتُه متواضعين
    فسوف لا نستشعر تمنّي الفرج في قلوبنا
    فهي أمور مرتبطة مع بعضها مباشرة
    فليس اعتباطاً أن يُستهَلّ دعاء مثل دعاء الافتتاح
    الذي يفترض أن ينتهي بتمني الظهور ويُختتم بالتوق لوصال الإمام(عج)
    ـ أن يُستهلّ بالتواضع بين يدي رب العالمين
    وبالطبع إن أدعيتنا جميعاً تزخر بمثل هذه العبارات
    ونحن مُجبَرون، من أجل خلع التكبّر عن أفئدتنا، على الإقبال على الصلاة
    وعلى الدعاء، وعلى تلاوة القرآن والحصول على هذا الأثر من جميعها
    بل أساساً إن الدعاء، والاستجداء، ورفع اليد على أعتاب الله
    هي علامة التواضع، وهي مُورِثة للتواضع أيضاً
    وكلما أكثرنا من هذا
    فمن الطبيعي أن نأمل رسوخ هذا التواضع أكثر في أرواحنا
    فإنِ استقرّ هذا التواضع فيها
    فسترون كم سيكون تمنينا للفرج أسهل وأشد إصراراً