الحبل المتين - العلاقة مع أولياء الله

  • شارك
  • تاريخ الحلقة
    2019-05-15
  • التقييم
  • موضوع الحلقة
    أهم نتائج الروحانية هي محبة أولياء الله
    وهو ما علينا أن نعلّم أولادنا عليه منذ مقتبل أعمارهم
    وأن نرى في محبة الأولياء
    اللب والنواة المركزية للروحانية والاتصال بالله تعالى
    وهو أمر طبيعي، إذ حين يتقرب العبد إلى الله ويخامره شعورٌ حسَن نحوه
    فمن الطبيعي أن يتولّد لديه إحساس إيجابي تجاه الفضائل كلها
    وأن تنتابُه رقة قلب وعاطفة سيكون في ذروتها حبه لأولياء الله
    فكما ننتظر من صاحب الروحانية أن يحب أبناء جنسه ويرحم الآخرين
    بل ويحنو بعاطفته على المساكين، ويترحّم على الأطفال والضعفاء
    وأن يحب الناس جميعاً ويبغي سعادتهم
    فمن الطبيعي أن نتوقّع ممّن ارتفع بعلاقته مع الله تعالى
    أن يكون أول ثمار هذه العلاقة رباطاً قلبياً وعاطفياً مع أولياء الله
    فقوله تعالى في كتابه: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»
    قل: إني لا أطلب منكم أجراً سوى محبة أولادي
    سوى مودّة أهل البيت(ع)، بل محبة أولياء الله في واقع الأمر
    ـ قوله هذا ليس شعاراً، وهو ليس أمراً مضافاً إلى الدين والروحانية
    بل هو تأكيد على ما ينبغي أن يحصل بشكل طبيعي
    وإن في وسعنا، إذا لم نلمس في قلوبنا المحبة اللازمة
    أن ندأب على الاستغفار حتى تحصل هذه المحبة للأولياء
    إننا إذا أردنا حقّاً أن نختبر صدق زعمنا بإيماننا بالله تعالى
    وإلى أي مستوى نحن صادقون في اكتسابنا سعة وجودية
    وأنّه بإمكاننا إدراك عالم الآخرة لشدة سُمُو أرواحنا؟
    وإن شئنا تقييم أنفسنا أنْ إلى أيّ مدى، حقّاً، أصبحنا متواضعين لربنا؟
    فعلينا أن نقيس مستوى ازدياد علاقتنا العاطفية بالأولياء
    إنها لحقيقة أنّ أولياء الله هم في وسط مناجاتنا.. وفي آخرها، وفي أولها
    بل لا يمكن حتى اعتبار محبّتنا لأولياء الله شيئاً
    يكون إلى جانب حب الله أو على هامشه.. بل هي لب القضية
    نشاهد في دعاء الافتتاح أن السلام والصلوات على النبي الأكرم(ص)
    وأهل بيت العصمة والطهارة(ع) قد جاء مع التكرار
    ومشفوعاً بعدد كبير جداً من الصفات المؤكَّدة المتكررة
    وإن عجَزنا، أحياناً، عن إظهار هذا في الدعاء من صميم قلوبنا
    فلنشاهد، على الأقل، أن البعض يحمل هذا الحجم من المودة والاحترام
    أو ننظر ما يتوقّعون(ع) منا
    فالأدعية تحدد سقف ما ينتظره أولياء الله منا
    وتعيّن أقصى ما يتوقّعه الله من عباده
    لاحظوا كم امتدحوا رسول الله(ص) في هذا الدعاء؟!
    مع أن بعضهم في التاريخ قد حاول اغتيال النبي الأعظم(ص)!
    بل وعمدَ، استعداداً لقتله(ص)، إلى دفعِ عياله إلى رجل وأخْذِ موثقٍ منه
    بأن يعيلهم، ليذهب هو لاغتيال النبي(ص)
    إلى هذا الحد يمكن أن يُضمر المرء حقداً وكراهية لرسول الله(ص)
    فيكون مستعداً للموت في عملية انتحارية
    مع أنه يحب عيالَه وقد دفعَهم إلى مَن يعتني بهم
    وحين قَدِم هذا الرجل إلى مسجد النبي الأكرم لقتل(ص) غِيلةً
    ولدى اقترابه منه «قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ(ص): ..مَا أَقْدَمَك يَا عُمَيْرُ؟»
    فتظاهر أن: لا لشيء، وأنه جاء للعبادة، وواصَلَ دنوَّه
    «قَالَ النّبِيّ(ص): فَمَا بَالُ السَّيْفِ» تخفيه تحت جُبّتك؟
    «قَالَ: ..نَسِيتُه.. وَهُوَ فِي رَقَبَتِي...
    قَالَ رَسُولُ اللهِ(ص): فَمَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ»
    على أن يهتمّ بعيالك ولا يتركهم؟
    فأدرك الرجل هنا أن رسول الله(ص) محيط بكل التفاصيل
    فآمن من فوره به(ص)
    ويذكر التاريخ عن هذا الرجل قوله: أني ما إن آمنتُ برسول الله(ص)
    حتى شعرتُ بمحبة عارمة نحوه!
    فلنا أيضاً أن لا نرى في حب أولياء الله واجباً، بل نتيجةً طبيعية
    فهذا الرجل الذي أراد اغتيال النبي(ص)
    والذي بلغ حقدُه له(ص) إلى ما جعله مستعداً لبذل روحه لاغتياله
    لماذا غمرَه، عندما آمن بالنبي(ص)، حبٌّ عنيف تجاهه يتملّك قلبه؟
    نحن أيضاً من الممكن أحياناً أن نشك في إيماننا أو في مقداره
    فإن لم نستشعر نتيجة الإيمان حبّاً تجاه أولياء الله فما هذا بإيمان
    إنه شيء آخر!.. فالإنسان له أن يخدع نفسه بكل سهولة
    وإن اهتمامنا في دعاء الافتتاح يُستقطَب إلى محبة غامرة لرسول الله(ص)
    وبعد حبه(ص) يصل الدور إلى أولياء الله(ع)
    «صَلِّ عَلَى عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ وَأَخِي‏ رَسُولِكَ‏ وَحُجَّتِكَ‏ عَلَى‏ خَلْقِكَ
    وَآيَتِكَ الْكُبْرَى وَالنَّبَإِ الْعَظِيم‏»
    وهذه صفات يَصفُ بها الداعي في دعاء الافتتاح
    من أعماق قلبه وروحه، عليَّ بن أبي طالب أمير المؤمنين(ع)
    «وَصَلِّ عَلَى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فاطِمَةَ (الزهراء) سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِين»
    لاحظوا.. مرة أخرى يسرد صفات بشكل متعاقب
    الحق إن الدعاء ليس تقليداً كمالياً، بل لا بد أن يأتي عن رغبة
    فإحدى إنجازات الدعاء هي أنه يُرِي صاحبَه مقدار مشاعره
    فالبعض بمجرد قراءته هذه الكلمات تنهمر دموعه
    وهذا بالطبع هو عين الصواب
    وبعضهم إذا تلا زيارة الجامعة لا يُروَى عطشُه
    لكنها للبعض الآخر غاية في الطول
    فيقول: لِمَ علينا وصف أولياء الله كل هذا الوصف؟!
    يكفينا: "السلام عليكم يا أهل بيت النبوة"، وكفى!"
    أمثال هؤلاء لم يذوقوا طعم هذه المحبة
    وهذا تحديداً يساوي شحة الروحانية
    وهذا بالذات يعني أن البعض لم يضبط علاقته مع الله تعالى بالدقة
    وهو نفسه غير ملتفت إلى أن علاقته هذه غير وثيقة
    ولربما كان لأمثال هؤلاء ظاهرٌ إيماني
    لكن الخطورة تكمن في أنه في بعض الامتحانات العسيرة
    قد يتحول إيمانهم إلى إيمان مُستودَع يمكن الرجوع فيه، فيفقدونه
    فهو ليس بمستقَر
    ولا بد من الخوف كل الخوف على أمثال هؤلاء
    فلو عرفنا مؤشّر الروحانية، بل وأهم مؤشّر لها، وهو حب الأولياء
    فسوف نبذل، في دواخلنا، غاية الوسع تحسّباً من نقصان هذه المحبة
    أو من انعدامها أصلاً
    على أنه لا بد من توفر لوازم أخرى لنحب أولياء الله، ومنها التواضع
    فلو عَدِم المرءُ التواضعَ العميق في داخله
    لم يتمكن من احترام الأولياء كل هذا الاحترام ولم يستطع محبتهم
    فالإنسان مخلوق أناني إذا أحب نفسه لم يجد الوقت لمحبة غيره
    وإن كان الأخير في قمة الصلاح
    بل إذا اتّصف بالأنانية فسوف لا يجد الوقت لمحبة أبناء جلدته أيضاً
    من الخصائص الأخرى التي على المرء التحلي بها النزاهة من الحسد
    والحسد والتكبّر هما في الواقع وجهان لعملة واحدة
    فصاحب الحسد يتأذّى أنْ: لِمَ عليَّ احترام شخص كل هذا الاحترام؟!
    وهو ما حصل لإبليس مع آدم(ع).. وما حدث لقابيل مع هابيل
    على أن للحسد درجات شتى
    إن علينا أحياناً أن نخاف
    من كون شِحّة حُبّنا لأهل بيت العصمة والطهارة(ع) ناجمة عن الحسد!
    نعم، حتى نحن الذين يفصلنا دهر عن أولياء الله ولم نعش في زمانهم
    مُعرَّضون لحسدهم أيضاً: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه»
    فهذا الحسد يؤذي البعض، حتى في زماننا هذا
    يرى الناس تحتشد على ضريح أبي عبد الله الحسين(ع) فيستاء!
    قائلاً: علامَ كل اهتمامكم واحترامكم هذا لضريحٍ خاص بإمامٍ ما؟!
    ناحِتاً لذلك إشكالات شتى!
    إذن لا بد من الخلُوّ من الحسد، ومن التكبر
    ويتعيّن إقامة علاقة عاطفية بين الإنسان والله، والتواضع لمقام الرب
    ليتسنى للمرء حب أهل البيت(ع) لكي يُصلّي ويسلّم عليهم بهذه الطريقة
    بل وأن يخصص، وسط مناجاته، وقتاً يُقبِل به على أولياء الله
    طيّب، قد لا نكون وصلنا هذه الدرجة العظمى من المحبة.. فماذا نصنع؟
    إنّ نصوص الزيارات وزيارة قبور الأولياء ذاتها
    ودعاء الافتتاح هذا نفسه، حيث ينبري الداعي في وسطه وفي أواخره
    إلى إظهار احترامه الشديد لأهل بيت العصمة والطهارة(ع)
    هذه كلها أمور تساعد في هذا السبيل
    على الإنسان القول: إلهي، سأظل أسلّم على أهل البيت(ع)
    وأسلّم على رسولك(ص) وأصلّي عليه وعلى أهل بيته وجميع أوليائه
    حتى تستقر هذه المحبة في فؤادي استقراراً أستطيع معه لمسَها
    إلى درجة ذرفي الدموعَ على فراقهم أحياناً..
    وإلى حد اشمئزازي من الخطيئة لأنها تُقصيني عنهم
    وإلى مستوى تطلُّبي الاستقامة والصلاح لأجل التقرّب من حضراتهم
    وإنها لعبارة في منتهى العظمة في زيارة عاشوراء تلك التي تقول:
    «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
    وَإِلَى فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ‏ بِمُوَالاتِكَ‏»
    فإني أود التقرب إلى الله، وإلى رسوله أيضاً
    وإن هاتين العمليّتين على خط واحد
    فمن الطبيعي أن نصل، في طريق تقرّبنا من الله، إلى موقف رسول الله(ص)
    آمل أن نلمس بعمق الصلة الوثيقة بين الروحانية وحب أولياء الله
    ولا نراهما منفصلين، وندرك أن أهم ثمار الروحانية هي حب الأولياء
    ولا نشك أنه إنْ لم تتجذّر وتترسّخ محبة الأولياء في أرواحنا
    فلا ريب أن لا نَصيب لنا من الروحانية
    وأنّ ما نسميه "إيماناً" أو "حباً لله" لا شك ينطوي على نقائص جوهرية
    فمن المستحيل أن يكون المرء قد تواضع لله حقاً
    دون أن يتواضع لصُلحاء العالم وأولياء الله
    وما من شك أن إبليس الذي حسد آدم(ع) كان يُضمر تكبّراً على الله
    رغم عبادته له ستة آلاف سنة
    انظروا ما قد يحصل إذا أضمر المرء تكبراً
    ثم راح يسجد، ويصلي، ويركع..
    نسأل الله أن يجعلنا من المتواضعين حقاً له
    حيث سيغمرنا، بالطبع، التواضع لأوليائه أيضاً