- ما هي أهمية الموانئ بالنسبة للدول، ولماذا هذا الصراع على الموانئ؟
يبرز هذا الصراع في منطقتنا لأنه فعلا" منطقة غرب آسيا أي منطقتنا والمنطقة العربية تشكل مركز ثقل أساسي للبترول العالمي. النقطة الثانية، بموقعها الجيوستراتيجي تمثل منطقة غرب آسيا خاصة نقطة تقاطع بين ثلاثة قارات في العالم والتي هي من أهم القارات بموضوع حركة التجارة العالمية وحركة النقل. من هنا، عادت منطقتنا كأساس، وزادت قيمة وأهمية منطقتنا بعد أن أقامت الصين مشروعها الكبير أي الحزام والطريق وباتت منطقتنا تشكل بوابة الحزام والطريق على المتوسط، على أفريقيا وعلى أوروبا.
- الطريق البحري، ما هي أبرز الموانئ وما هي أبرز الممرات التي سيمر بها بمنطقتنا والتي كانت سببا" في هذا الصراع؟
في الطريق البحري كان فعلا" مضيق ملقة هو الأساس، إلا أن السيطرة الأمريكية على مضيق ملقة جعلت الصين تنطلق من مضيق ملقة إلى خليج البنغال وإلى بحر العرب. في بحر العرب ما يهمنا المنطقة العربية، في بحر العرب أقامت الصين ميناء "جوادر"، وهو هنا في باكستان، وهذا الميناء دفعت الصين عليه 57 مليار دولار، وبالتالي فتحت خطوط وأنابيب غاز ونفط من هذه المنطقة حتى شمال الصين. وأيضا" خليج البنغال، أقامت 3 مرافئ عليه، ليست موجودة على الخريطة الآن، لكي يعطي وسط الصين، أي أن ما أهم الصين من هذه المرافئ هو أن توصل الطاقة إليها لأن الصراع الكوني إذا أوقف ضخ البترول وضخ الطاقة إلى المصانع فهذا يعني تطويق الصين.
- ميناء "جوادر" على أي موانئ يؤثر في المنطقة؟
ميناء "جوادر"، كما نراه على الخارطة هنا، يؤثر على ميناء "جبل علي" ويؤثر أيضا" على باب المندب، لأن ميناء جوادر قدرته الإستيعابية كبيرة وبالتالي هو يعتبر بعد 5 سنوات المنافس الأساسي لميناء جبل علي، وأيضا" ستمر البضائع من ميناء جوادر عبر خط العرب كما نرى إلى مضيق باب المندب، ومن باب المندب يصل إلى سيناء، ومن سيناء إلى البحر المتوسط وإلى أوروبا وأفريقيا.
- هنا يمكننا القول إن ميناء باكستان أخذ من حصة الإمارات وهو ما دفعها لأن تقاتل لكي تخرج من مضيق هرمز وأن تسيطر على الموانئ الموجودة والمطلة على بحر العرب؟
بدون شك هذه نقطة. نقطة ثانية، لأن الصين هي مصنع العالم، هي تريد أن تنطلق من ميناء جوادر إلى العالم بالإضافة إلى طريق الحرير البري الذي يصل إلى منطقتنا، إلى سوريا ولبنان، وبالتالي هو أيضا" يشكل رافد أساسي لحركة التجارة العالمية وسنتكلم عنه لاحقا".
- كيف تواجه الإمارات هذا الميناء؟
الإمارات –كما ذكر تقريركم- تسيطر على 77 ميناء في العالم، بينما الصين اشتركت وأعادت بناء 116 مرفأ في العالم في 62 دولة، أضف أننا إذا أخذنا حجم أهمية الموانئ العالمية، نرى أن أول 10 موانئ عالمية 7 منها في الصين ويأتي ميناء جبل علي في المرتبة التاسعة من حيث الأهمية في العالم. طبعا" لا تستطيع الإمارات أن تزاحم الصين، أضف على ذلك أن ميناء جبل علي كان يعمل كوسيط ما بين الصين ولتوزيع الحاويات في العالم. بعد أن أتى ميناء جوادر، لم يعد هناك حاجة أن يكون ميناء جبل علي وسيط لهذه الحاويات التي تأتي من الصين وتوزع على العالم.
- بالنسبة للموانئ المتواجدة في جيبوتي والمطلة على باب المندب، من يسيطر عليها ومن يحاول السيطرة عليها؟
ميناء جيبوتي موجود فيه الصين، وموجود فيه فرنسا، وموجود فيه الإمارات. وبالتالي أنا أعتبر أن الجميع موجود في ميناء جيبوتي، وبالتالي التنافس قائم على هذا الموضوع. لكن أيضا" هناك ثغرة في جيبوتي وهي أن مستويات الماء بين النهار والليل تتفاوت. وبالتالي هذا أيضا" يؤثر على الميناء ولا يجعل ميناء جيبوتي من الأهمية بمكان بقدر ميناء جبل علي أو بقدر موانئ اليمن التي تسيطر عليها الإمارات.
- هذا بالنسبة للصراع على باب المندب، ماذا عن الصراع على الموانئ الموجودة في السودان وأريتريا وعلى طول خط البحر الأحمر؟
جيبوتي هي منفذ على باب المندب، بينما أريتريا والسودان أصبحتا على البحر الأحمر، وبالتالي ليستا بنفس أهمية جيبوتي التي قام الصراع عليها. أما في السودان وأريتريا – وخاصة في السودان-، هناك صراع مع تركيا لأن تركيا حاولت أن تبني قاعدة قرب "بور سودان"- وهذا مما شكل أيضا" خطر على الإمارات والسعودية بحكم التنافس القائم بين الإمارات وتركيا لمن يسيطر على البحر الأحمر. إنما أنا برأيي، أهمية التواجد على البحر الأحمر هي على المنفذين: على جيبوتي وعلى قناة السويس في هذه المنطقة، أما المنطقة الداخلية فهي منطقة داخلية خاصة السودان وأريتريا. من هنا أنا أعتبر أن الأهمية الكبرى فعلا" هي لساحل المتوسط والتي هي الصراع الأساسي عليها.
- أن الصين وطريق الحرير سيوصلها في النهاية إلى البحر المتوسط، ومن البحر المتوسط ستنتقل إلى أوروبا، وهذا يضعنا كما تفضلت إلى أهمية الصراع حول الموانئ الموجودة في المتوسط. ما الصراع الدائر هناك؟
أولا" منطقة غرب آسيا، أي منطقة سوريا ولبنان والعراق، هذه المنطقة هي من الأهمية بمكان بموقعها الجيوسياسي أنها نقطة تقاطع ثلاثة قارات في العالم، أوروبا آسيا وأفريقيا، ومرافئ هذه المنطقة، خاصة بعد أن أقامت الصين مشروعها الكبير أي الطريق والحزام الذي يأتي من الصين إلى أفغانستان إلى إيران إلى العراق إلى الساحل السوري. هذا الممر بطريق الحرير يقابله طريق بحري أيضا". هذا يعني أن الصين لديها ممران إلى ساحل المتوسط. طريق الحرير بوابته هي الساحل السوري اللبناني، من هنا أهمية الميناء السوري أي ميناء اللاذقية كميناء أساسي وأهمية موانئ بيروت وميناء بيروت تحديدا" لأنه الميناء الأعمق على سواحل المتوسط، ويستطيع أن يستقبل بواخر كبيرة وعميقة. الصين حاولت يا سيدي أن تستثمر في ميناء أشدود في دولة فلسطين المحتلة ب3 مليار ونصف دولار، وحاولت أن تستثمر في ميناء حيفا، إلا أن التدخل الأمريكي تحديدا" في فلسطين المحتلة حال دون استمرار الصين لأن أمريكا هددت الكيان الإسرائيلي الغاصب بأنه إما علاقتك مع الصين وإما علاقتك معنا، لأن أصل الصراع الأساسي على التجارة العالمية وعلى الموانئ وعلى من يتبوأ عرش الكون اقتصاديا" هو بين أمريكا والصين.
- من ينافس الصين على مرفأ بيروت؟
أنا أعتقد وأجزم أن أمريكا -في صراعها مع الصين- هي تريد أن تمنع الصين من أن تصل إلى هذه المنطقة. لذلك أتت الحرب في المنطقة وتواجدها لتقطع الطريق بين دمشق وبغداد، وبعد أن أقامت الصين الإتفاق الإستراتيجي مع إيران، هذا الإتفاق الإستراتيجي غير وجه المنطقة في منطقة غرب آسيا، وأنا تابعت التقارير الأمريكية التي قالت إن حجم الإستثمار الصيني-الإيراني ليس 500 أو 600 مليار دولار، هو 5 ترليون دولار، وقالوا أنه سيؤثر وسيغير وجه منطقة غرب آسيا إقتصاديا" وجيوسياسيا". من هنا تصبح سوريا ولبنان التي هي بوابة هذا الطريق وهذا الحزام من الأهمية بمكان، من يسيطر عليها يسيطر فعلا" على حركة التجارة العالمية على طريق الحرير البري.
- بما يخص طريق الحرير، أيضا" هناك في الصراع على المتوسط الصراع الليبي، من يدخل في ليبيا وهل هناك علاقة أيضا" بالسيطرة على المرافئ الموجودة في كل المتوسط؟
أولا" موقع ليبيا وحجم الغاز والنفط في ليبيا هو حجم كبير، وسابقا" كانت شركة "إيني" التي هي فعلا" عندها شراكة مع "غازبروم"، وبالتالي هي كانت متفقة مع روسيا على أن يمددوا الغاز إلى أوروبا. أتت الحرب على ليبيا لقطع هذا الموضوع. الآن من يسيطر على ليبيا يسيطر على رافد أساسي للغاز إلى أوروبا بما يزاحم غازبروم. من هنا دخلت أوروبا بهذه المزاحمة ومن هنا دخل التركي وعاد الروسي إلى ليبيا كنقطة أساسية. أنا برأيي، أهمية ليبيا بقدر أهمية موانئها إلا أن أهميتها بالنسبة للغاز والنفط الموجود فيها. إلى جانب ليبيا، هناك أهمية كبيرة للميناء الموجود في الجزائر أي ميناء "الحمدانية"، وهذا ميناء كبير كان قد توقف ثم الآن عاد. هذا الميناء عليه 23 رصيف، وبموقع الجزائر القريبة جدا" من مضيق جبل طارق، تصبح الأهمية لميناء الجزائر أكثر من أهمية ميناء ليبيا في حركة التجارة العالمية.
إذن نحن نتحدث بأن منطقة المتوسط هي المنطقة التي من خلالها ستكون نقطة التقاء الحركة التجارية نحو أوروبا والعالم وأفريقيا أيضا".
إذا سمحت لي أن أتحدث عن نقطة أساسية، بالإتفاق الصيني-الجزائري لإقامة ميناء الحمدانية، هناك سكة حديد تصل من ميناء الجزائر إلى مالي إلى أفريقيا. هذا يعني أن الجزائر هي محطة لنقل البضائع من الجزائر إلى وسط أفريقيا عبر مالي بسكك الحديد الصينية.
- تابعنا أهمية مرفأ بيروت. مرفأ بيروت هو الآن تقريبا" خارج الخدمة، من أين سيتم تعويض هذا المرفأ الآن في المنطقة؟ وهنا نطرح تساؤل: من سيعيد بناء هذا المرفأ ولمصلحة من؟
أنا برأيي، مرفأ بيروت كان -باستراتيجية الصين- يوازي بأهميته مرفأ اللاذقية لأن مرفأ اللاذقية لا يكفي لتأمين حاويات طريق الحرير الداخلة والذاهبة إلى الصين. الصين –وباستراتيجيتها بطريق الحرير- فكرت بمرفئين: مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس، وفكرت أيضا" بمرافئ فلسطين المحتلة أي ميناء أشدود وميناء حيفا. في ميناء أشدود وميناء حيفا أتت أمريكا وهددت الكيان الإسرائيلي الغاصب إن استمرت علاقتكم مع الصين سنقطع العلاقة. لذلك تعرقلت جزئيا" هذه المشاريع. باتت الأنظار متوجهة إلى بور بيروت، لذلك أتت الصين وقدمت مشاريع إلى لبنان بسكة حديد تصل من الناقورة إلى بيروت إلى طرابلس إلى اللاذقية. وأيضا" بور بيروت منه طريق نفق إلى ضهر البيدر، ومن ضهر البيدر يصل إلى سوريا. هذا أيضا" سيلتقي من هنا من بيروت، سيلتقي هذا النفق مع دمشق ومع طريق الحرير. من هنا أنا أعتبر أن ميناء بيروت من الأهمية بمكان لأنه ضمن استراتيجية الصين. ولأن الصراع الأمريكي الصيني حاليا" على المرافئ وعلى طريق الحرير وعلى حركة التجارة العالمية، هناك علامة استفهام: لماذا بعد أن عرضت الصين كل هذه الأمور، فعلا" حدث حادث بور بيروت؟ وبالتالي، السؤال التالي الذي يٌسأل -لا نريد أن نستبق لجان التحقيق-: لماذا مباشرة بعد تفجير بور بيروت، أتت الإمارات وقالت أنها مستعدة أن تعيد بناء بيروت، وبمعلوماتنا أيضا" تركيا أتت لإعادة بناء بور بيروت، وأيضا" فرنسا مستعدة أن تعيد بناء بور بيروت وبور طرابلس؟ أنا أعتقد –كقارئ باستراتيجيات الدول والمرافئ وخطوط الملاحة البرية والبحرية- أن من يعيد بناء بور بيروت يحدد وجهة واستراتيجية لبنان إلى عشرات السنين القادمة. من هنا هذا التزاحم على بيروت، من هنا تريد هذه الدول أن تتحكم بمرفأ بيروت كي تتحكم بأحد منافذ طريق الحرير الصينية على المتوسط.
- ماذا عن موضوع مرفأ بيروت وعن المرافئ الموجودة في فلسطين المحتلة، سؤال عام: كلما متحدث عن صراع أو أطماع في العالم، لا بد أن نتذكر العدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي أين يُرى في ظل هذا الصراع على الموانئ؟
طبعا" بدون شك العدو الإسرائيلي هو يريد عرقلة كل هذه الأمور خاصة أن مرفأ بيروت هو المنافس الأساسي لمرفأ حيفا ومرفأ أشدود، وخاصة أن العدو الإسرائيلي أقام مشروع سكة حديد بعد مشروع نيوم مع المملكة العربية السعودية بأن يمر أيضا" خط سكة حديد من فلسطين المحتلة إلى الأردن إلى السعودية إلى شط العرب. بهذا الموضوع، يريد الكيان الإسرائيلي أن يعطل طريق الحرير ويريد أيضا" أن يعطل قناة السويس. وبالتالي حركة الكيان الإسرائيلي الغاصب يريد أن يكون هو البديل لطريق الحرير البري ولقناة السويس. إذا" الكيان الإسرائيلي الغاصب هو يدرك أنه لا يستطيع أن يعرقل مشاريع الصين، هو يقدم نفسه كأساس في هذه المشاريع. حتى الإمارات –رغم التزاحم الكبير بينها وبين الصين على حركة المرافئ، ورغم أن ميناء جوادر أثر كثيرا" على ميناء جبل علي، إلا أن الإمارات أيضا" أقامت شراكة استراتيجية مع الصين بطريق الحرير باتجاه منطقة الخليج العربي. من هنا، أنا أعتبر أن التنافس ضمن الشراكة هو أساس هذه اللعبة خاصة أن هذه الدول برمتها لا تستطيع إطلاقا" أن توقف مشاريع القرن الجديد التي ترعاها الصين عبر الطريق والحزام.
- يعني نحن نتحدث الآن أن لبنان مقدم في المستقبل على الصراع من سيسيطر على مرفأ بيروت، من سيعيد بناء مرفأ بيروت، وعليه نحن سننتظر ما ستؤول إليه هذه الأيام القادمة.