• ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من الصين؟
• أولا" الصين هي المزاحم الأول للولايات المتحدة الأمريكية على عرش الكون اقتصاديا". بالإضافة لما ذكره التقرير، أنا أريد أن أضيف مسألة الذكاء الصناعي الذي تطورت به الصين وتقدمت به على أميركا والغرب وبالتالي مشروع صنع في الصين لعام 2025، هذا يعني أن الصين ستصبح هي مصنع العالم في الذكاء الصناعي وبالتالي ستصبح أميركا وأوروبا عاطلة عن العمل لا بل أقول أنها ستصبح سوق استهلاكية للمنتوجات الصناعية العالية التقنية وبأسعار رخيصة. من هنا، الصراع هو صراع اقتصادي على الزعامة وعلى الأسواق.
• دعنا نتحدث عن أهمية الصين الجغرافية والإستراتيجية؟
• الواقع أن الناتج المحلي الصيني حاليا" أصبح بحدود 14 ترليون دولار، والصين لديها فائض في العملات الأجنبية أي احتياط نقدي بالدولار الأمريكي 3 ترليون و900 مليون دولار بالإضافة 1.5 ترليون دولار كسندات خزينة.
• إذا أردنا أن نعلق على جغرافيا الصين؟
• بالجغرافيا بدون شك الصين وأمريكا دولتان عملاقتان. نرى حسب الخرائط أن هناك مسافة كبيرة بينهما إلا أنه في الواقع ما يفصل الصين عن الولايات المتحدة الأمريكية هو المحيط الهادىء الذي فعلا" هو محيط ملاصق للدولتين.
• يعني جغرافيا" نحن نشاهد على الخارطة أن هناك تباعد لكن فعليا" هناك تقارب ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لو نستطيع أن نشاهد هذا التقارب أيضا" كيف يمكن أن يكون التقارب على الخارطة أيضا". كيف سيكون حال الصراع لو نستطيع أن نشرح على الخارطة؟
• أولا" الصراع – بقدر ما له علاقة بالجغرافيا - له علاقة بالأدوار: الصين هي المزاحم الأول للولايات المتحدة الأمريكية على عرش الكون. أمريكا – بعد انهيار الإتحاد السوفياتي – قررت أن هذا العصر وهذا العالم وهذا القرن الجديد أي القرن الواحد وعشرين هو قرن الولايات المتحدة بامتياز. الصين زاحمت الولايات المتحدة الأمريكية وأزاحتها عن هذا القرن وعن هذا العرش وبالتالي بدأت هذه المزاحمة الإقتصادية.
• هي أزاحتها أم تحاول إزاحتها؟
• أنا برأيي أزاحتها، وهناك تقارير للبنك الدولي أجرى خلالها مقارنة للقوى العظمى في العالم المرشحة أن تكون في العالم 2030 كما أجرى خلالها مقارنة للناتج القومي بين أميركا والصين في الفترة بين 2013 و2030. في أميركا كان الناتج القومي بحدود 22 مليار دولار أما الناتج القومي الصيني فكان بحدود 12 مليار دولار. المتوقع بحلول عام 2030 أن يصبح الناتج القومي الصيني 46 مليار دولار ومن ثم سيرتفع في عام 2040 إلى 63 مليار دولار بينما أمريكا ستبقى 31 مليار. يعني الإتجاه نحو المستقبل هو اتجاه توسيع الهوة الإقتصادية ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
• برأيك جغرافيا الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كيف نستطيع أن نفسرها على الخارطة؟
• الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي للدولتين كبيرة، أمريكا مرتاحة جدا" لأنها محاطة بمحيطات، وهي خاضت كل الحروب خارج أراضيها. بينما حاليا"، تحاول أمريكا أن تنقل الحرب إلى بحر الصين. يعني نرى على الخريطة أن أمريكا كانت معزولة عن العالم. في الحربين العالميتين التي خيضت في أوروبا، دخلت أمريكا في نهاية الحربين العالميتين وحسمتها، ومن هنا تبوأت على عرش الكون وتصدرت حركة التجارة العالمية. بينما الصين كانت تاريخيا" من الدول العظيمة جدا" وأسست طريق الحرير، اليوم تعيد بناء طريق الحرير مجددا". أمريكا هي دولة بحرية في جيوبوليتيك الصراع العسكري. الصين هي دولة بحرية وبرية، الصين هي دولة عظمى وكبيرة من دول آسيا بالمساحة، عدد سكانها مليار و350 مليون. الصين لديها شواطئ على بحر الصين الشرقي والجنوبي تمتد ل18 ألف كلم.
• الأهمية الإستراتيجية للصين هي في الساحل الصيني؟
• نعم في الساحل الصيني تكمن أهميتها وفي حجمها والكتلة الإقتصادية الكبرى التي أسستها وفي الثورة الصناعية التي أقامتها في تسعينات القرن الماضي وحتى الآن، حيث تطور الناتج القومي الصيني بشكل ملفت وغير عادي، ونسبة النمو كانت تتراوح في أقصى حالات التراجع إلى 6 ونص بالمئة كما هي الآن وواصلت الإرتفاع ما بين 6 و 11 بالمئة. هذه النسبة من النمو وهذا التطور الصناعي وهذا الغزو لأسواق العالم اقتصاديا" بالإضافة إلى دور الصين في بحر الصين وفي المحيط الهندي وفي المحيط الهادئ، هذا الدور تحاول أمريكا أن تدفع حلفائها كي يضيقوا جغرافيا" على الصين.
• من هم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية؟
• هم كوريا الجنوبية واليابان وأوستراليا في تلك المنطقة.
• كيف يمكن لهم أن يقوضوا الصين في تلك المنطقة؟
• لا يستطيعون إطلاقا" أن يقوضوا الصين، رأينا أن هناك صراع صيني-ياباني على جزر سينكاكو في بحر الصين. جزر سينكاكو تقع في بحر الصين الشرقي، وبالتالي أنا لا أعتقد أن اليابان تستطيع أن تهزم الصين لأنها تجاوزتها أصلا" بالناتج القومي وبالإقتصاد، وهي دولة عظمى كبرى وأكبر من اليابان. أضف إلى أن رئيس كوريا الجنوبية يحاول أن يلملم أوراقه ويحسن وضعه رغم أنه مرتهن أو مسيطر عليه أمريكيا"، هو التجأ إلى الصين كي يحل مشكلة الكوريتين ويوحدهما لأن أميركا تحاول أن تضغط على رئيس كوريا الجنوبية لابتزازه بالخطر الصيني وإنشاء شبكة صواريخ ومضادات للصواريخ والطائرات على أراضيه.
• أستاذ رياض، نسمع كثيرا" عن أمريكا والصين وهذا الصراع، لكن برأيك ألا تحتاج الصين فعلا" إلى أمريكا أيضا"؟
• أنا برأيي الصين وأمريكا يحتاجان لبعضهما البعض. أولا" حجم التبادل التجاري كما ذكر التقرير بمجمله 737 مليار، الفائض الصيني باتجاه أمريكا بحدود 400 مليار بعد العقوبات. إذا" هناك خلل كبير في الميزان التجاري باتجاه الصين. العقوبات والصراع بين ترامب والإدارة الأمريكية مع الصين هو لتعديل الميزان التجاري أي أن تجبر الصين على شراء المنتجات الزراعية وبعض المنتجات الأخرى من أمريكا كي تعدل هذا الميزان.
• فعليا" من أين تأخذ الصين الآن هذه المنتجات الزراعية؟
• هي تأخذها من كل دول العالم. أنا أريد أن أعطيك نموذجا": الصين تأخذ حبوب الصويا من أمريكا، ولكن حين سارت أمريكا بالعقوبات أوقفت الصين استيراد حبوب الصويا من أمريكا وأخذتها من البرازيل وأمريكا اللاتينية فخسرت أمريكا 46 مليار دولار مما اضطر الرئيس الأمريكي أن يضخ 40 مليار دولار مساعدات للمزارعين الأمريكيين كي يبقي أولئك المزارعين بفلكه الإنتخابي.
• يعني من الذي يستطيع أن يؤثر على الآخر اقتصاديا"؟
• برأيي العقوبات تؤثر على الصين إنما تؤثر أيضا" على أمريكا أكثر. المسألة مسألة عض أصابع، من يقول "آخ" أولا". أنا أجزم أن أمريكا هي المتضرر الأكبر: مثلا" في إنتاج الأحذية، معظم الأحذية الرياضية التي تباع في أمريكا تنتج في الصين. في حال أنتجت هذه الأحذية في الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون ثمن الحذاء 400 دولار على المستهلك الأمريكي.
• هنا ننتقل للحديث عن أهمية الصين الصناعية والتجارية.
• بالضبط، لا تستطيع أمريكا برأيي تنافس الصين أو أن تستغني عن الصين. في كل بيت أمريكي، في كل رف من رفوف مطبخ المواطن الأمريكي، يوجد بضاعة صينية Made in China. لا تستطيع أمريكا أن تهزم الصين لأنه – كما ذكر التقرير – هناك خسارة ل 2.6 مليون وظيفة إن توقفت الصين عن الإستثمار في أمريكا. أضف إلى ذلك النقطة الأساسية المركزية برأيي : الصين – بالإضافة إلى استثماراتها بسندات الخزينة التي تبلغ بحسب آخر المعطيات لدينا 1.5 ترليون دولار – لديها أيضا" احتياطات نقدية بالدولار الأمريكي تبلغ 3.9 أي بحدود 4 ترليون دولار، وهذا يعني أنه إذا قررت الصين أن تنهار أمريكا تستطيع ضخ هذه الأموال في السوق وبالتالي تخضع أمريكا.
• سيد رياض، بماذا ستتأثر أمريكا – وليس الصين – بهذه الحرب التجارية؟
• أولا" لنأخذ الحرب على "هواوي": بالحرب على "هواوي" تأثر الإقتصاد الأمريكي والمستثمرون الأمريكيون الذين يستثمرون أيضا" في "هواوي" ومنتوجات "هواوي". وصلت خسائر الأمريكيين إلى 42 مليار دولار بالسنة. هذه حرب خاسرة للولايات المتحدة الأمريكية. الصين تقدمت بالجيل الخامس، وبالتالي إن تخلفت أمريكا ورفضت التعامل مع "هواوي" وهو ما حدث، تستطيع الصين أن توجد بدائل لها في أوروبا وفي كل دول العالم.
• ديون أمريكا – برأيك – هل تستطيع أن تسددها للصين، تحدثت عن سندات خزينة وغيرها، لكن فعليا" هل ستسدد أمريكا هذه الديون؟
• برأيي، لا تستطيع أمريكا إلا أن تسدد ديونها للصين، وإذا كانت لا تريد التسديد فهو في حالة أعلان الحرب أي الحرب العسكرية التي تطيح بكل شيئ، علما" أن الحرب العسكرية – برأيي – هي غير واردة لأن أمريكا لا تستطيع أن تقيم حرب في هذه الفترة تحديدا" لأن الوضع الإقتصادي في أمريكا سيئ جدا" و جائحة الكورونا زادت سوء الوضع، بالإضافة إلى أن هناك العديد من الأسلحة الأمريكية باتت متخلفة عن الأسلحة الصينية والروسية وخاصة في ما يخص الصواريخ فائقة السرعة. بالإضافة إلى أن حلفاء أمريكا وحلفاء الصين لا يقبلون أن يوجد صراع بين أمريكا والصين.
• من الذي – تحديدا" – لا يقبل بهذا الصراع؟
• روسيا لا تريد حربا" بين أمريكا والصين، دول آسيا لا تريد، أوروبا لا تريد لأن العالم كله سيتضرر وأيضا" أمريكا ستضرر بالمرحلة الأولى والصين ستضرر كذلك.
• ماذا تفعل روسيا وأوروبا لمنع هذا التصادم العسكري؟
• برأيي إن العلاقة الأمريكية-الصينية محكومة بإعادة التفاهم، وروسيا والصين تطرحان على أمريكا التفاهم على نظام عالمي جديد. أنت لا زلت القوة الرئيسية في العالم لكنك لست القوة الأولى. العالم بات متعدد الأقطاب ونحن شركاؤك.
• هناك سؤال يطرح، ما هو بديل الدولار؟ هل يمكن أن نشاهد عملة بديلة عن الدولار تحكم الإقتصاد العالمي أو شريكة له؟
• أنا برأيي أن الأخطر من الدولار كعملة تسعير عالمية هو نظام "سويفت". الصين– بمؤتمر شنغهاي الذي عقد السنة الماضية – قررت اطلاق اليوان الذهبي والآن أطلقت اليوان الرقمي. اليوان الذهبي الجديد هو لتسعير التبادل التجاري في منطقة أوراسيا ومع تجار الصين في العالم. منطقة أوراسيا هي المنطقة الممتدة من أوروبا شمالا" إلى آسيا أي هذه المنطقة هنا.
• هل يمكن أن تستبدل عملة الدولار بالعملة الرقمية أو أنها في طور الإستبدال؟
• نعم استبدلت عملة التبادل التجاري ما عدا أوروبا لم تلتزم بهذا الموضوع. قارة آسيا ودول شرق أوراسيا عنيت بهما روسيا وآسيا استبدلوا التعامل التجاري باليوان الصيني وبالعملات المحلية كذلك إيران والمنطقة. أنتجت الصين اليوان الرقمي ليكون بديل الدولار، إنما الأخطر هو تسعير الطاقة في هذه المنطقة الغنية يالطاقة بالعملات المحلية وليس بالدولار. هذا يعني سقوط البترودولار من عرش تسعير الطاقة في العالم. أضف إلى هذه النقاط الأساسية، فقد أقامت هذه الدول نظام "سويفت" خاص بها وبالتالي لم تعد تستطيع أمريكا أن تهيمن على حركة التجارة العالمية والتحويلات.
• هناك تفوق بشري عسكري للصين. برأيك هل هناك حرب عسكرية بين الصين وأمريكا؟
• برأيي هناك تفوق عسكري بشري في الصين وهناك نوازن نووي بين العملاقين إنما أمريكا هي أقوى - من حيث القدرات العسكرية - من الصين.
• كيف تستطيع إذن أن تواجه في حال حصول سيناريو حرب؟
• برأيي المعركة التي ستكون ستكون على البحار، يعني بين الصين وأمريكا الصواريخ النووية قد تصل إلى الدولتين وهو ما يبعد الحرب. ثانيا"، المعارك ستكون في المحيطات وعلى الممرات المائية. كي تخرج الصين من هذه المعركة منتصرة، تخلت عن مضيق ملقة.
• لماذا تخلت عن هذه النقطة؟
• هذا المضيق هو الوحيد الذي يوصل بحدود 80 % من الطاقة إلى الصين و يخرج من الصين 60 % من حاويات العالم تمر في هذا المضيق. وضعت أمريكا الأسطول السادس على هذا المضيق وأقامت مع أندونيسيا والدول المجاورة لهذا المضيق علاقات عسكرية وتجارية كي تحرم الصين في حال المعركة. إنما الصين ماذا فعلت؟ خرجت من هذا الطوق بأنها فتحت على منطقة خليج بورما أي منطقة البنغال كما توجهت إلى باكستان وأقامت استثمارات كبيرة وميناء "جوادر" بقيمة 55 مليار دولار. بات باستطاعة ميناء "جوادر" وميناء "بورما" ضخ البترول بحيث عوضوا وألغوا مضيق ملقة. إضافة إلى طريق الحرير والحزام الإقتصادي، أوجدت الصين منافذ برية لوصول الطاقة إليها، وأوجدت هذا الطريق وسكك الحديد السريعة كي تؤمن نقل حاوياتها إلى العالم في حال حدث الصدام.
• أستاذ رياض، تابعنا الموضوع العسكري بين أمريكا والصين والآن ندخل إلى السؤال الأخير حول فايروس كورونا وأثره على شكل النظام العالمي الجديد.
• أنا أعتقد أن العالم بدأ – قبل فايروس كورونا – يتجه نحو نظام عالمي جديد إلا أن كورونا أسقط القناغ عن الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الحلم الأمريكي الذي كانت تطرحه أمريكا من حيث الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وحمل أعباء العالم سقط إلى غير رجعة بفضل جائحة الكورونا، فظهر ترامب قائلا" أمريكا أولا" وعزل أوروبا عنه. وبالتالي لم يكن يستطيع أن يقاوم جائحة كورونا ونحن نرى الآن ملايين الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية. نعم جائحة الكورونا عجلت بإسقاط القناع عن أمريكا وأنا أعتقد أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبله إن لجهة العلاقات الدولية وإن لجهة تغيير منطق الإقتصاد. أنا برأيي النيوليبيرالية سقطت والعولمة سقطت. سنرى نيوليبيرالية جديدة مطعمة بالصين والفكر الشيوعي وسنرى عولمة جديدة بنكهة صينية. أنا أعتقد أن أمريكا لم تعد تستطيع أن تبقى على عرش الكون وأن زمن أفول أمريكا قد آن.