2020-07-23

- أحمد داوود أوغلو له مقولة "الجغرافيا هي التي تصنع الجيوبوليتيك"، برأيك ما هي الأهمية الإستراتيجية لموقع تركيا في العالم؟
أولا" تحية لك أستاذ علي وتحية للمشاهدين، هناك العديد من العوامل التي تجعل من دولة ما قوية، منها العامل الإقتصادي، منها القدرة الإقتصادية، منها القدرات العلمية والمعرفية للمجتمع بحد ذاته، لكن طبعا" هناك العامل الجغرافي الذي قد يمنح دولة ما أهمية ودورا" مؤثرا" حتى لو لم تكن هذه الدولة قوية اقتصاديا" أو عسكريا" أو معرفيا". إذا جئنا إلى تركيا –بمعزل عن مدى قوتها في هذه العوامل الثلاثة السابقة- نجد أن تركيا تمتاز بموقع جغرافي بتقديري قد لا يتوفر لأي دولة أخرى في العالم بدون أي مبالغة. تركيا هي الدولة الوحيدة التي تصل مثلا" بين أوروبا وبين آسيا، هي تصل بين البحر الأسود وبحر إيجه وأيضا" البحر الأبيض المتوسط. لا زلنا في الجغرافيا الصرف. بهذا الإطار نجد أن تركيا أيضا" فيها مضيقان لا يقلان أهمية من حيث تأثيرهما الجيوبوليتيكي وفي الصراعات الإقليمية والدولية عن مضائق أخرى في العالم مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب أو جبل طارق. المضيق الأول هو مضيق البوسفور أو كما يسميه الأتراك "بوهازيتشي"، والمضيق الثاني هو مضيق الدردنيل أو "تشاناق قلعة" الذي يصل بين البحر الأسود وبحر إيجه وصولا" إلى البحر المتوسط ولكن الأهم أنه يصل بوابة القوة العظمى الثانية في العالم أي روسيا وسابقا" الإتحاد السوفياتي والتي كانت تسعى دوما" –منذ أيام العثمانيين وحتى اليوم- للوصول إلى المياه الدافئة، والممر الوحيد الإلزامي لذلك هو هذين المضيقين.

- كنا نتحدث عن مضيق البوسفور بهذه الأهمية الإستراتيجية له، برأيك كيف يمكن أن يؤثر هذا المضيق على روسيا؟
بالواقع، من النادر لعامل جغرافي معين أن يُحدث أثر استراتيجي عميق في التحالفات والعلاقات الدولية. على سبيل المثال، تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد اندلاع الثورة البلشفية في روسيا، شهدت العلاقات بينهما تطور إيجابي ممتاز، حتى أن لينين ساعد أتاتورك في حرب التحرير الوطني وأرسل له مساعدات. في عام 1925، وقعت روسيا أي الإتحاد السوفياتي معاهدة صداقة مع تركيا لمدة 20 سنة. عام 1945، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، طلب السوفيات إعادة النظر بهذه المعاهدة، السبب الأساسي هو أنهم طلبوا أن تكون إدارة المضائق أي البوسفور والدردنيل مشتركة، وطلبوا أيضا" تعديل حدود تركيا المحاذية للقوقاز وجورجيا وما إلى ذلك، وأيضا" إقامة بعض القواعد العسكرية للإتحاد السوفياتي في تركيا. هنا تركيا شعرت –وكان رئيسها آنذاك عصمت إيونونو- بالخطر أو بالخوف من الخطر السوفياتي عليها أيام ستالين. لهذا السبب، عام 1945 رفض الأتراك تجديد المعاهدة حيث كانت بداية خروج تركيا من سياسة الحياد النسبي التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية والدخول في علاقات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال توقيع اتفاقية عسكرية في تموز 1947 والتي كانت المدماك لبدء مرحلة جديدة في السياسة الخارجية التركية عنوانها التحالف مع الغرب ثم الإعتراف بإسرائيل ثم حلف شمال الأطلسي. وبالتالي كان العامل الجغرافي للمضائق سب مهم لتغيير استراتيجي وعميق ومؤثر جدا" في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

- من نقاط القوة أيضا" الموقع الجغرافي لتركيا إذا كنا نتحدث عن المضائق، ما يضيف هذا الموقع الجغرافي لتركيا؟
الموقع الجغرافي أحيانا" يتبع التطورات العلمية والإقتصادية في العالم. على سبيل المثال، تركيا –كما نلاحظ في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة- تحولت إلى مركز لمرور وتوزيع الطاقة في العالم. نلاحظ أن تركيا الآن –كونها بلد يصل آسيا بأوروبا- هي نفسها أيضا" بلد يصل بين الدول المنتجة للنفط مثل روسيا، مثل أذربيجان، مثل كازاخستان، مثل إيران، مثل العراق، مثل سوريا إلى حد ما وأيضا" حتى قطر. وبالتالي هذه الدول المنتجة للنفط تمد خطوط أنابيب نحو الدول المستهلكة، بالتالي هذه الدول المنتجة تريد إيصال النفط إلى أوروبا عبر تركيا. لهذا السبب، الموقع الجغرافي لتركيا –رغم أن تركيا ليست بلدا" منتجا" للنفط إلا بشكل بسيط- خولها أن تكون لاعبا" مؤثرا" بسياسات الطاقة الإقليمية والدولية. إذا أراد أحد رسم كل خطوط الطاقة التي تمر- سواء كانت نفط أو غاز طبيعي- فلن تعود تركيا ظاهرة على الخريطة من كثرة هذه الخطوط. من أبرز هذه الخطوط مثلا": لدينا من العراق هناك خطان يصلان إلى ميناء جيحان في تركيا، من إيران لدينا خطوط قادمة، من أذربيجان لدينا خط باكو-جيحان الذي يمر عبر جورجيا لكن يتجاوز أرمينيا، هناك 3 خطوط من أذربيجان منها ما هو للنفط ومنها ما هو للغاز، من روسيا هناك خط يصل من هنا عبر البحر الأسود، الآن هناك الخط الأخيرالتركي الذي دشنوه في بداية العام 2020 يذهب باتجاه غرب اسطنبول، هناك خطوط متعددة.

- خط أوكرانيا لماذا يجب أن يمر بتركيا، هل هناك ضرورة؟
هنا نرى الموقع الجغرافي التركي، كانت هي البديل للخط الأوكراني الذي هو خط غاز يأتي من روسيا ويذهب نحو أوروبا. لأن هناك تحولا" في السياسة الخارجية الأوكرانية لصالح الأطلسي والغرب، أصبحت روسيا رهينة لمرور هذا الخط بأوكرانيا وللشروط الأوكرانية فمرة" تزيد الرسم ومرة" تحاول منعه وما إلى هنالك لذا كان القرار الروسي بنقل هذا الخط من أوكرانيا عبر مد خط ثان عبر تركيا يذهن نحو أوروبا من دون أن تبقى رهينة للخط الأوكراني. وبالتالي هذا هو الخط الذي أنشأته روسيا من هنا يمر عبر غرب اسطنبول ثم يذهب نحو أوروبا وبالتالي ألغينا الخط الذي يمر بأوكرانيا. هذا الأمر كان لصالح روسيا ولصالح تركيا بمعنى أن روسيا استفادت وتحررت من الخط الأوكراني من جهة، ومن جهة ثانية تركيا استفادت أي أن الخط يمر عبرها، تأخذ رسوما" عليه وتعزز علاقاتها مع روسيا كما ترهن روسيا بلحظة معينة كما فعلت أوكرانيا بروسيا. وبالتالي كثرة هذه الخطوط التي تمربتركيا تعطيها –بتقديري- دفعا" وعناصر قوة إضافية وهذا كله بسبب هذا الموقع الجغرافي.

- بما يخص الموقع الجغرافي، ما هي الإضافة التي يعطيها هذا الموقع أيضا" لتركيا، هناك دائما" إيجابيات ولكن هذا الموقع ينعكس سلبا" على تركيا ببعض الأماكن؟
فقط أريد أن أشير إلى مسألة قبل ذلك، الآن في منطقة البوسفور، غرب البوسفور، يمر غربه هنا تقريبا"، عند هذا الخط تماما" قناة تسمى قناة اسطنبول، تم تلزيمها ويحاولون شقها. هذه القناة هي بطول 45 كلم أي أطول من البوسفور الذي هو بطول 35 كلم لأن اليابسة أعرض وهي منحنية أكثر بسبب التضاريس الطبيعية. قناة اسطنبول هذه ستزيد أهمية إضافية إلى تركيا لأنه يصبح هناك مضيقان بين البحر الأسود وبين بحر مرمرة وهما مضيق البوسفور وقناة اسطنبول.

- لكن هذا الأمر يطرح تساؤلات إلى أي معاهدة سيخضع هذا المضيق الذي سيتم استحداثه أو هذه القناة؟
طبعا" هناك أسئلة كثيرة حول هذا الأمر، هل ستخضع هذه القناة لنفس شروط اتفاقية مونتروي 1936 التي رسمت شروط المرور عبر مضائق البوسفور والدردنيل؟ هل سيطبق الأمر نفسه على قناة اسطنبول عندما تنتهي أم أن تركيا ستعتبر هذه القناة ضمن السيادة التركية الصرف ومئة بالمئة تابعة لها وبالتالي هي لا تريد أي صفة دولية لهذه القناة وهي تتحكم بدخول وخروج السفن كما تشاء؟ طبعا" أسئلة كثيرة لكن ليس هناك أجوبة واضحة لحين أن تنتهي. يمكن أن يكون هناك مشكلة كبيرة وربما لا. هذه القناة تعطي عناصر قوة إضافية إلى تركيا.

- هذه القناة ممكن أساسا" أن تكون سببا" لصراعات قد تتفجر بالمنطقة؟
طبعا" أنا قلت أن مضيق البوسفور كان سببا" في خروج تركيا من العلاقات الجيدة مع روسيا ومن معاهدة الصداقة وأن ترفض تجديد هذه المعاهدة. لكن في الوقت نفسه –وردا" على السؤال الذي سبق هذه الفكرة- فإن الموقع الجغرافي المحيط بتركيا هو، وللمفارقة، متنوع. متنوع عرقيا" ، متنوع دينيا"، كيف ما درت هو متنوع. هذه هي تركيا باللون الأحمر. في المحيط الإقليمي لتركيا، نلاحظ أن منطقة البلقان في هذه المنطقة وصولا" لفوق إلى أوكرانيا وروسيا هي كلها منطقة أورثوذوكسية. وهذه المنطقة كلها هي إسلافية. إثنيا" إسلاف ودينيا" أورثوذوكس. هذا هو أول تنوع بالمحيط الإقليمي الجغرافي لتركيا. نذهب إلى منطقة القوقاز، نلاحظ أن لدينا العنصر التركي يظهر في أذربيجان وصولا" إلى ما بعد بحر قزوين أي في آسيا الوسطى. نأتي إلى الجنوب فنلاحظ أن لدينا إيران والعنصر الشيعي والعنصر الفارسي، ولدينا أيضا" الأكراد على امتداد حدود تركيا مع سوريا ومع العراق ومع إيران وفي داخل تركيا. وفي الجنوب لدينا أيضا" العامل العربي، المنطقة العربية الموجودة، لذلك تركيا عندما قامت بعملية درع الفرات وعفرين وما إلى ذلك كان أحد الأهداف المعلنة هو منع إقامة ممر كردي من حدود إيران إلى البحر المتوسط. لماذا؟ لأن الأكراد إذا ما أقاموا هذه المنطقة وهذا الممر الكردي فسيفصلون العالم التركي عن العالم العربي أن الفضاء الحضاري التركي لا يعود له صلة جغرافية مع الفضاء الحضاري العربي. لذلك الجغرافيا هي مهمة من هذه الناحية. وبالتالي نحن أمام محيط إقليمي لتركيا متعدد الإثنيات، متعدد الأديان متعدد المذاهب وما إلى هنالك، وهذا يحملنا على أن نقول أن هذا المحيط يحمل بداخله أيضا" عناصر متفجرة كثيرة لأن هذا المحيط مليء أيضا" بالمشكلات من أكثر من نوع.

- مشروع تركيا في المنطقة والأدوات التابعة لها في هذه المنطقة، كيف قسمت بحسب المشروع الأساسي لتركيا، أي كيف كان التوجه التركي عسكريا" لتثبت وجودها في هذه المنطقة؟
أريد أن أقول إن هذا التنوع العرقي والمذهبي والديني لتركيا، في الإحصاءات هناك 60 % من مشاكل العالم المسجلة هي في المحيط الإقليمي لتركيا. هذا الأمر يجعل لتركيا يدا" أو تأثيرا" بكل هذه المشكلات كونها هي جزء من هذه المشكلات أو بالمحيط الإقليمي المباشر لها. لكن في الوقت نفسه، فإن تركيا هي أيضا" معرضة للمخاطر التي تنتج عن هذه المشكلات. يعني هنا في جنوب تركيا لدينا أزمة قبرص، لدينا مع اليونان الفضاء الجوي والجرف القاري وما إلى ذلك والآن أصبح لدينا النفط والغاز وحدود المنطقة الإقتصادية وترسيم الحدود مع ليبيا وتمر بجزر كريت وإذا ما كان ذلك صحيحا" أم خاطئا" بالقانون الدولي. لدينا البلقان كله متفجرمقدونيا فيها مشكلة، ألبانيا فيها مشكلة، البوسنة فيها مشكلة. في الشمال لدينا شبه جزيرة القرم، لدينا الأزمة الأوكرانية. في الشرق لدينا قضية "غوروني قرة باخ" أو "أرتساه" كما يسميها الأرمن. لدينا المشكلة الكردية بحد ذاتها في شمال العراق وجزئيا" في سوريا.

- رغم هذا الكم الهائل من المشاكل والذي حكم الموقع الجغرافي لتركيا أن تكون موجودة فيه، كيف يتبع أحمد داوود أوغلو سياسة تصفير المشاكل في تركيا؟
أنا أقدر الجهد الذهني الذي بذله الدكتور أحمد داوود أوغلو، لكن هذا الأمر يطبق من الناحية النظرية والأكاديمية في العلوم السياسية أما على أرض الواقع، وسط هذا الكم الهائل من التناقضات الإقليمية والدولية، أنت لا يمكن أن تصل إلى "صفر مشكلات"، حتى 10 أو 20 % من "صفر المشكلات" من الصعب الوصول إليه.

- ألا تبحث تركيا عن المشكلات، يعني عندما تصل إلى القرن الأفريقي وتدخل إلى الصومال وغيرها هل تكون تبتعد عن المشاكل فعليا" والمشاكل هي التي تأتيها أم أنها هي من تذهب إلى المشاكل؟
سياسة صفر مشاكل عنوان جذاب وما إلى هنالك، لكن أنا بتقديري –وبضوء معرفتي بالأتراك وبأحمد داوود أوغلو شخصيا"- أرى أن هذا العنوان أي صفر مشكلات هو مرحلة تكتيكية من أجل بلوغ الهدف الأكبر وهو استعادة الهيمنة العثمانية أو التركية على كل المناطق.

- هل الأحداث التي حصلت في سوريا منذ 2011 سمحت لتركيا أن تظهرمشروعها هذا؟
تركيا –قبل قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002- كانت علاقاتها سيئة مع معظم دول جوارها الجغرافي، في كل الأمكنة: في البلقان، في البحر الأسود، في القوقاز، في منطقة الشرق الأوسط. لذلك عندما جاؤوا بسياسة تصفير المشكلات وأن تكون تركيا مركزا" وليس طرفا" وليست جسرا" يُعبر عليه بل أن تكون هي جسرا" يصل بين الآخرين، هذه السياسة هدفها الأساسي كسر هذا الجدار من العداء المحيط بتركيا، وتبدأ هذه السياسة من الدول القريبة مثل العراق وسوريا. لايمكن أن تكون علاقاتك جيدة مع كل العالم العربي إذا كانت علاقتك سيئة مع سوريا كونها بوابة تركيا إلى العالم العربي.

- لكن في فترة من الفترات، كان مشروع أردوغان الأساسي هو الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، الآن مشروعه هو استعادة أمجاد السلطنة العثمانية، أليس هناك تناقض بين المشروعين أم أنه لم يجد له مكانا" في الإتحاد الأوروبي فذهب إلى المشروع الآخر؟
إذا أردت فتح القوسين وأن أتجرأ على القول بكل موضوعية سأقول: لم يُرد لا العلمانيون ولا الإسلاميون في تركيا الإتحاد الأوروبي كل منهما لأهدافه السياسية الداخلية، وفي الوقت نفسه الإتحاد الأوروبي لا يريد تركيا سواء أكانت تحت حكم علماني أو إسلامي، لا يريدها عضوا" في الإتحاد الأوروبي. لهذا السبب، عندما جاء حزب العدالة والتنمية وأتى بهذه الإصلاحات التي قربته بدأت المفاوضات المباشرة مع الإتحاد الأوروبي. كان الهدف الأساسي هو اتخاذ هذه المفاوضات مع أوروبا ذريعة بالنسبة لأردوغان لكسر شوكة العسكر بالإستفتاء الذي حصل عام 2010، يعني أنه استخدم هذه العلاقات لتوظيفها في الداخل وكسر هيمنة العسكر ونجح في ذلك. عندما تحدث عن سياسة صفر مشكلات وبناء علاقات جيدة مع المحيط، كان يريد إعادة إدخال تركيا من جديد إلى المنطقة في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق واتباع سياسة ناعمة من نفوذ وتأثير ومسلسلات وما إلى ذلك وهو في النهاية استعاد الهيمنة على المنطقة بطريقة أو بأخرى. إذا لم نستطع بالأساليب الديموقراطية –بين مزدوجين- فسننتقل إلى مرحلة أخرى وهو ما تحدثت عنه حضرتك قبل قليل أي نشوء قاعدة عسكرية جديدة في تركيا، يعني أننا بدأنا بسياسة صفر مشكلات وفشلت، المرحلة الثانية سندخل مباشرة وندعم الإرهابيين في سوريا.

- ثاني قوة عسكرية في حلف الناتو، نراها تنتشر عسكريا" في المنطقة، سنحدد أماكن الإنتشار هذه ولكن السؤال هو حول التناقض الحاصل في ليبيا أي أن أعضاء حلف شمال الأطلسي نراهم يتخبطون في تركيا، أين هي تركيا عسكريا" في العالم؟
ليس هناك شك أن تركيا هي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي لناحية الجيش البري وليس لناحية الأمور الأخرى أي أن فرنسا أقوى، بريطانيا أقوى، لكن مع ذلك فإن القوة العسكرية التركية تأخذ أهميتها من كون تركيا بلد طرفي في حلف شمال الأطلسي في مواجه القوى التي كانت تشكل خطرا" في أيام الحرب الباردة كالإتحاد السوفياتي أو كروسيا الآن أو إيران.

- أين هو انتشارها العسكري فعليا" من حيث القواعد العسكرية التركية الموجودة حول العالم أو في المنطقة؟
عندما فشلت سياسة صفر مشكلات في تركيا وبالتالي مرحلة القوة الناعمة، انتقلوا إلى المرحلة الثانية وهي القوة الخشنة. ونجد ذلك بشكل واضح باستخدام الجيش التركي مباشرة في احتلال جزء كبير من الأراضي السورية ، في شمال غرب سوريا وشرق الفرات، وبإقامة أكثر من 20 قاعدة ومركز عسكري بشمال العراق. هذا الأمر ليس سهلا". في سوريا هناك احتلال مباشر وكامل وفي العراق له أيضا" مراكز. يعني مثلا" في سوريا أصبح هناك احتلال لكل هذه المنطقة في شمال غرب سوريا، لدينا في هذه المنطقة كذلك حيث عملية نبع السلام أصبح هناك احتلال وتواجد –وإن كان بموافقة روسية وأمريكية- في شمال شرق الفرات. في العراق لدينا العديد من المراكز العسكرية في الشمال. إذن هناك تواجد عسكري مباشر. لا ننسى أنه -في الأساس- في شمال قبرص يوجد أيضا" تواجد عسكري مباشر منذ 1974 وما قبله. إضافة إلى ذلك، من السياسات التي تتبعها تركيا هي سياسة القواعد العسكرية المباشرة خارج مسألة الإحتلال. يعني لدينا نوع من الإحتلال في العراق وفي سوريا وفي قبرص لكن بالنسبة للقواعد العسكرية نلاحظ أن هناك قاعدة عسكرية في قطر. هذه القاعدة العسكرية تشكل بوابة ومدخل إلى النفوذ في كل منطقة الخليج أي أنها مفتاح للنفوذ والتأثير في كل منطقة الخليج. نلاحظ في الصومال هناك قاعدة عسكرية لتركيا تطل على كل بحر العرب والمحيط الهندي. أي أنها مراكز استراتيجية.

- ماذا تريد تحديدا" هنا السؤال، لماذا الصومال؟ لماذا اتجهت تركيا إلى البحث عن المشاكل؟
لأكمل في السودان، أيام عمر البشير، استأجروا جزيرة "سواكن" التي ادعوا أنهم سيرممونها ثقافيا" لكنهم سيرممونها أمنيا" وعسكريا" وليس ثقافيا". مؤخرا" أتوا أيضا" إلى ليبيا عبر المرتزقة السوريين الذين أرسلوهم ومن خلال تواجد الجيش التركي المباشر. أعتقد أن الأتراك يحاولون إقامة مواطئ أقدام ونفوذ في أكثر من منطقة بحيث يستطيعون من خلالها ممارسة نفوذ وتأثير في السياسات المختلفة. ولكن نلاحظ أن هذه المواقع كلها تحيط بالسعودية، تحيط بالإمارات، تحيط بمصر. هذه الدول والقوى هي تاريخيا" على علاقة سيئة مع الدولة العثمانية سواء الوهابية أو مصر وبالتالي هذه القواعد هي جزء من مشروع العودة العثمانية إلى المنطقة ومحاولة التخلص أو الإنتقام من هذه القوى التي كانت من أسباب إضعاف الدولة العثمانية من خلال الثورات والإنتفاضات التي كانت تقوم بها وصولا" إلى انسحاب العثمانيين من المنطقة.

د.محمد نور الدين - متخصص في الشأن التركي