باسمه تعالى

كلمة‎ ‎الأمين العام لحزب الله‎ ‎سماحة السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال التكريمي ‏بالشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس 3-11-2023

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله ربّ العالمين، ‏والصلاة والسلام على ‏سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله ‏الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار ‏المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. ‏

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. ‏

أُرحب بهذا الحضور الكبير والمهيب في احتفال اعتزازنا وافتخارنا بالشهداء، بكل الشهداء، الذين اجتمعنا ‏اليوم في حفل تكريمهم وفي حفل تجديد البيعة لِدمائهم ولأهدافهم.‏

‏ اليوم نحن نُحيي ذكرى هؤلاء الشهداء، شهداء المقاومة الاسلامية في لبنان، شهداء حزب الله، شهداء ‏السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، شهداء كتائب القسام في لبنان، شهداء سرايا القدس في ‏لبنان، والشهداء المدنيين الذين استشهدوا ظلماً على يد الصهاينة وبينهم صحافيون.‏

‏ نَتوجه بالدرجة الأُولى إلى عوائل الشهداء، نحن نتحدث عن شهداء الجبهة اللبنانية من لبنانيين ‏وفلسطينيين، نتوجه إلى عوائل الشهداء بالتبريك لنيل أعزائهم وأحبائهم هذا الوسام الإلهي،  وبالعزاء لِفقد ‏هؤلاء الأعزة والأحبة من بين عائلاتهم سواءً كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو إبناً، وأسأل الله سبحانه وتعالى ‏أن يتقبل من الجميع، ويمتد تبريكنا وعزاؤنا إلى كل عوائل الشهداء في قطاع غزة في الضفة الغربية، في ‏كل مكانٍ ارتقى فيه شهداء في هذه المعركة، معركة طوفان الأقصى، التي أصبحت ممتدة في أكثر من ‏جبهة وفي أكثر من ساحة، الشهداء الآن لن أتحدث كثيراً عن الشهداء، لأنه بعد بضعة أيام لدينا احتفال ‏يوم الشهيد، إن شاء الله نتحدث أكثر، لكن الشهداء هؤلاء فازوا فوزاً عظيماً، يكفي أن نقرأ بعض آيات الله ‏سبحانه وتعالى في حقهم، ليكون ذلك موضع اعتزازٍ وافتخارٍ لعائلاتهم ولنا جميعاً، ولنكون على يقين إلى ‏المكان الذي مضوا إليه، إلى العالم الذي رحلوا إليه، الى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على ‏قلب بشر، يقول الله سبحانه وتعالى عن الشهداء:" وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ ‏وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، وفي ‏سورة آل عمران: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون، فَرِحِينَ بِمَا ‏آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون، ‏يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"،هم الآن أحياء، وليس المقصود في يوم ‏القيامة، في يوم القيامة كل الناس سيكونون أحياء، أما الآن الشهداء هم الأحياء الفرحون المستبشرون ‏المتنعمون برحمة الله وفضله، "وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ". ‏

هنيئاً لكل الشهداء، للشهداء المقاتلين، للشهداء المظلومين، للشهداء من الرجال والنساء والولدان والصغار ‏والكبار، هنيئاً لهم انتقالهم إلى ذلك العالم، إلى جوار الله وملائكته وأنبيائه ورسله وأوليائه وشهدائه، حيث ‏لا استكبار أمريكي ولا استبداد صهيوني ولا عدوان ولا قتل ولا مجازر، و لذلك نحن من هذا الموقع ‏الإيماني والعقائدي ننظر إلى الشهداء.‏

ولعوائل الشهداء أيضا اقول لهم: لقد مضى أبناؤكم واعزاؤكم في معركة اليوم على وجه الأرض، لو ‏أردنا أن نبحث، دائماً كُنا نقول هذا في الماضي، لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية من الناحية ‏الإنسانية، من الناحية الأخلاقية، من الناحية الدينية، لن نجد معركة كمعركة القتال مع هؤلاء الصهاينة ‏والغزاة المحتلين لفلسطين، هذه معركة لا غبار عليها، على المستوى الإنساني، على المستوى الأخلاقي، ‏على المستوى الشرعي، ولذلك هي من أوضح وأعظم وأبين مصاديق القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى، ‏هذا ما يجب أن نعرفه جميعاً.‏

اليوم نتوجه إلى عوائل الشهداء، أيضا لِنفتخر بهم، لِنعتز بهم، لقد سمع العالم وسمعنا مواقفهم وكلماتهم ‏التي تُعبّر عن الصمود والثبات واليقين والتسليم والرضا بمشيئة الله واختيار الله واصطفاء الله لأعزائهم ‏شهداء، وهذه هي قوتنا الحقيقية قبل السلاح، قوتنا الحقيقية في هذا الإيمان، في هذه البصيرة، في هذا ‏الوعي، في هذا الالتزام العميق بالقضية، في هذا الاستعداد العظيم للتضحية، في هذا الصبر الذي لا حدود ‏له، الذي يُعبّر عنه آباء وأُمهات وزوجات وأبناء وبنات وعوائل الشهداء، وأيضاً التحية كل التحية للشعب ‏الأُسطوري، للشعب الذي لا نظير له في هذا العالم، لأهل غزة وشعب غزة الذين شاهدناهم على شاشات ‏التلفزيون كيف يخرج الرجل أو المرأة أو الطفل من تحت الأنقاض، وقد دُمر بيته واستشهدت عائلته ‏ويصرخ ان كل ما قدمه هو فداءٌ للمقاومة، فداءٌ للأقصى، فداءٌ لِفلسطين، هنا القوة الحقيقية وهنا الشعب ‏الذي يعجز اللسان والبيان عن التعبير عن عظمته وعن جبروته وعن إيمانه وعن صموده وعن صبره، ‏وكذلك ما نشهده في الضفة الغربية من تضحيات وصمود وصلابة وشموخ وصبر وفي كل الساحات.‏‎ ‎

أيها الأُخوة والأَخوات، اليوم أنا سوف أُركز حديثي على الحدث المباشر، لِنفهم ما حصل ولِنشرح موقفنا ‏ولِنحدد موقفنا ولِنحدد المسؤوليات ونتحدث عن الأُفق، طبعاً ما يرتبط بالجو اللبناني والتضامن الوطني ‏الموجود وجوانب عديدة، وحتى فيما سأتعرض له، سأُشير أن هذا يحتاج إلى حديثٍ مفصلٍ في وقتٍ ‏لاحق، لكن يجب في البداية أن نُوجه التحية إلى كل الذين تضامنوا وتظاهروا وصرخوا وأيدوا وساندوا ‏ودعموا على مستوى العالم من الدول، من دول عربية أو إسلامية أو أميركا اللاتينية، إلى كل الشعوب، ‏إلى كل المواقف. ويجب أن نَخص بالذكر والتحية السواعد العراقية والسواعد اليمنية التي دخلت إلى قلب ‏هذه المعركة المباركة‎.‎

أيها الأُخوة والأَخوات، لماذا وصلت الأمور وما خلفية ما حصل في 7 تشرين أول وعملية طوفان ‏الأقصى؟

طبعاً سأتعرض إلى هذه الأمور باختصار لأنه لا بد من ذكرها ليبنى عليها الموقف.‏

معروفٌ لكم وللعالم معاناة وآلام الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاماً،فلا داعي الآن للشرح، جميعكم ‏تعرفون هذا الموضوع.‏

لكن أوضاع السنوات الأخيرة في فلسطين كانت قاسية جداً وخصوصاً مع هذه الحكومة المتطرفة ‏‏والحمقاء والغبية والمتوحشة، هناك أربع عناوين كانت ضاغطة في الوضع الفلسطيني: العنوان الأول: ‏هو ملف الأسرى، آلاف الأسرى من الرجال والنساء ‏والأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ‏بعضهم مضى عليه سنوات طويلة، بعضهم مرضى ‏يعاني خطر الموت وليس هناك من يُحرك ساكناً، ‏ومع الحكومة المتطرفة وهذا الوزير الغبي قام ‏بالتشديد على الأسرى وعلى عائلات الأسرى مما جعل ‏الأمور في بعضها الانساني سيئة جداً.‏

العنوان الثاني: ملف القدس والمسجد الأقصى وما تعرض له خصوصا في الأشهر الأخيرة الماضية ‏‏وخصوصا في الأسابيع التي سبقت عملية طوفان الأقصى، لم يكن له أيضا سابقة منذ احتلال القدس ‏عام ‏‏67.‏

ثالثا: الحصار على غزة، قرابة العشرين عاما هناك أكثر من مليوني انسان يعيشون في مساحة ‏ضيقة في ‏حصارٍ خانق في ظروف معيشية صعبة دون أن يحرك أحد ساكنا في هذا العالم.‏

العنوان الرابع: المخاطر الجديدة التي بدأت تتهدد الضفة الغربية من خلال مشاريع الاستيطان ‏الجديدة ‏أيضا مع هذه الحكومة المتطرفة الحمقاء الغبية، إضافةً إلى أعمال القتل اليومي والاعتقال ‏اليومي وهدم ‏البيوت.‏

هذه ملفات كلها كانت ضاغطة وبقوة على الفلسطينيين وعلى حركات المقاومة في فلسطين.‏

وليس هناك في هذا العالم من يسأل لا أمم متحدة، ولا مجلس أمن دولي، ولا منظمة تعاون ‏إسلامي، ولا ‏جامعة الدول العربية، ولا اتحاد أوروبي ولا كل التكتلات الدولية المعروفة في ‏العالم، بل كانت قضية ‏فلسطين وما يجري في فلسطين وكل هذه الملفات كانت منسية في آخر ‏اهتمامات العالم إن كانت موجودة ‏أساساً على لائحة الاهتمامات، وفي المقابل كانت سياسة العدو ‏تزداد صلافة وطغياناً وعتواً وافساداً ‏وظلماً وقهراً واذلالاً.‏

إذاً كان لا بد من حدث كبير يهز هذا الكيان الغاصب المستبد المُستعلي ويهز داعميه المستكبرين ‏‏وخصوصاً في واشنطن ولندن، ويفتح كل هذه الملفات الانسانية أمام العالم ويعيد طرح قضية ‏فلسطين ‏المحتلة وشعبها المظلوم المحاصر، ومقدساتها المهددة طرحها من جديد كقضية أولى في ‏العالم.‏

فكانت العملية الجهادية العظيمة الكبرى في 7 تشرين الأول عملية طوفان الأقصى والتي قام ‏بها مجاهدوا ‏كتائب عز الدين القسام(رضوان الله عليه) وشاركهم فيها بقية فصائل المقاومة في ‏قطاع غزة.‏

هذه العملية، إذاً هذه أول نقطة في الخلفية.‏

النقطة الثانية: هذه العملية العظيمة والمباركة والواسعة كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئة وكان ‏تنفيذها ‏فلسطينياً مئة بالمئة قد أخفاها أصحابها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، ‏فضلاً عن بقية ‏دول وحركات محور المقاومة، وهذا ضمن سريتها المطلقة، وهذه السرية المطلقة ‏هي التي ضمنت نجاح ‏العملية الباهر من خلال عامل المفاجئة المذهلة خلافاً لما يظنه البعض، لأنكم ‏تعرفون أنه الآن بالمعركة ‏القائمة يتسلل بعض المثبطين أو المخذلين أو الفتنويين خلافاً لما يظنه ‏البعض فهذا الاخفاء لم يُزعج أحداً ‏في حركات المقاومة ومحور المقاومة على الإطلاق، بل أثنينا ‏عليه جميعاً لأنه كان شرطاً طبيعيا لنجاح ‏العمل وليس له أي تأثير سلبي على الإطلاق على أي ‏قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة في محور ‏المقاومة، بل بالعكس هذا الأداء من الإخوة في حماس ‏ثبّت وأكّد الهوية الحقيقية للمعركة والأهداف وقطع ‏الطريق على الأعداء وعلى المنافقين أن ‏يُزيفوا وأن يُحرفوا وخصوصا عندما يتحدثون عن علاقات ‏فصائل المقاومة الفلسطينية الإقليمية، ‏عادة بلبنان وفلسطين واينما كان عندما تحصل معركة معينة سريعاً ‏يقول لك الملف النووي ‏الإيراني، خدمة المفاوضات الإيرانية الأوروبية، خدمة المفاوضات الإيرانية ‏الأمريكية، خدمة ‏للأهداف الإيرانية في المنطقة سريعاً يأخذون الموضوع لمكان آخر من باب الكذب ‏والتضليل ‏والتزوير، معركة طوفان الأقصى من خلال قرارها الفلسطيني وتنفيذها الفلسطيني وأقول لكم ‏وعدم ‏علم أحد فيها، هي تثبت أن هذه المعركة هي فلسطينية بالكامل من أجل فلسطين وملفات فلسطين، ‏‏وقضايا فلسطين وشعب فلسطين وليس لها علاقة بأي ملف إقليمي أو دولي أو ما شاكل على ‏الإطلاق.‏

وهذه الحادثة أيضاً تؤكد مصداقية ما كُنا نقوله طوال السنوات الماضية ليفهم ذلك الصديق وليفهم ‏ذلك ‏العدو وإن كان البعض لا يستطيع أن يفهم هذه الحقيقة، ان القرار لدى حركات المقاومة هو ‏لدى قيادات ‏حركات المقاومة، الجمهورية الإسلامية في إيران منذ الإمام الخميني(رضوان الله عليه) ‏إلى سماحة الإمام ‏الخامنئي(دام ظله) تتبنى وتدعم وتساند علناً حركات المقاومة في لبنان وفلسطين ‏والمنطقة، ولكنها لا ‏تمارس أي وصاية عليها على الإطلاق ولا على قياداتها ولا على قراراتها، ما ‏حصل في الماضي وما ‏حصل في طوفان الأقصى اليوم يؤكد هذه الحقيقة، ومن يريد أن يقرأ ما ‏يجري اليوم ويمكن أن يجري في ‏أي وقتٍ في المستقبل، يجب أن يفهم أن أصحاب القرار الحقيقيين ‏هم قيادات المقاومة وأهل المقاومة ‏ومجاهدو المقاومة ويخدمون أهدافهم وقضيتهم الأساسية ‏والحقيقية.‏

أيها الإخوة والأخوات، النقطة الثالثة: الحدث وتداعياته، ما حصل ميدانياً كلكم واكبتم بالتفصيل ولا ‏داعي ‏أن أشرح ما جرى في 7 تشرين جميعنا رأيناه على الشاشات وعلى القنوات.‏

وكان عملاً بطولياً شجاعاً، مبدعاً، متقناً، عظيماً كبيراً تُرفع له كل التحايا، ماذا أدى هذا العمل ‏الكبير ‏والعظيم؟

أدى إلى إيجاد وإحداث زلزال على مستوى الكيان الإسرائيلي، زلزال أمني، وعسكري، وسياسي، ‏‏ونفسي، ومعنوي، وكانت له نتائج وتداعيات استراتيجية، ووجودية، وستترك آثارها على حاضر ‏هذا ‏الكيان وعلى مستقبل هذا الكيان، ومهما فعلت حكومة العدو، ما فعلت خلال الشهر الذي مضى ‏وخلال ‏الأسابيع والأيام المقبلة، هي لن تستطيع على الاطلاق أن تُغير من نتائج ومن تداعيات ومن ‏آثار طوفان ‏الأقصى الاستراتيجية والتاريخية على هذا الكيان وعلى مستقبل الصراع في هذا ‏الكيان.‏

وكشفت الكثير من الحقائق التي يجب أن نعرفها جميعاً وأن نُضيء عليها جميعا طبعا ليس الآن، ‏في ‏أوقات مختلفة، الحديث عن نتائج وتداعيات وآثار، الآثار العظيمة والكبيرة لعملية طوفان ‏الأقصى أيضاً ‏تحتاج إلى وقت آخر إلى تفصيل آخر في وقت آخر، لكن أهم نقطة أنها كشفت عن ‏الوهن والضعف ‏والهزال، وأنها بحق  أوهن من بيت العنكوت، أنها أوهن من بيت العنكبوت، لقد ‏قرأت في بعض وسائل ‏الاعلام الاسرائيلية كلاماً يقول أن الاسرائيليين أنفسهم باتوا يؤمنون أكثر ‏من فلان عني أنا يعني، أن ‏الاسرائيليين باتوا يؤمنون أكثر من فلان أن اسرائيل أوهن من بيت ‏العنكبوت.‏

وهذه حقيقة ثبتتها عملية طوان الأقصى، سارعت الادارة الأمريكية برئيسها ووزرائها وجنرالاتها ‏لِتمسك ‏بهذا الكيان الذي كان يهتز وكان يتزلزل، من أجل أن يستعيد بعض أنفاسه، يستعيد بعض ‏وعيه، يقف على ‏قدميه من جديد، وليستعيد زمام المبادرة، وهو لم يتمكن حتى الآن من استعادة زمام ‏المبادرة، وتقديم ‏الحماية والمساندة له بكل الأشكال.‏

‏ هذه الحادثة وهذه السرعة الأمريكية لاحتضان ‏اسرائيل ومساندتها ودعمها واسنادها كشف وهن وفشل ‏وضعف هذا الكيان، تصوروا منذ الأيام ‏الأولى لطوفان الأقصى وفي مواجهة قطاع غزة المحاصر ‏حكومة العدو من اليوم الأول احتاجت ‏إلى أن تأتي الأساطيل الأمريكية إلى البحر الأبيض المتوسط من ‏أجل الدعم المعنوي والاسناد ‏العسكري، أساطيل أمريكية!‏ أين جيشكم؟ أين سلاح جوكم؟ أين اسطولكم ‏البحري؟ أين إسرائيل التي كانت تتفاخر بأنها أقوى جيش ‏في المنطقة؟ شوي تأتي الأساطيل الأمريكية ‏وحاملة الطائرات الأمريكية، وأن يأتي الجنرالات ‏الأمريكيون وخبراتهم إلى الكيان، أن يُؤخذ قرار من ‏اليوم الأول بفتح المخازن الإستراتيجية ‏الأمريكية في فلسطين للجيش الإسرائيلي، إسرائيل من الأيام ‏الأولى طلبت أسلحة جديدة وصواريخ ‏جديدة من أمريكا، من اليوم الأول طلبت اسرائيل عشرة مليار ‏دولار، لم نبدأ بعد، هل هذه دولة قوية؟ ‏هل هذه دولة تملك قدرة الوقوف على قدميها؟ التي تحتاج إلى هذا ‏الدعم الأمريكي وإلى هذا الحشد ‏الغربي الأوروبي، رؤساء جمهورية، رؤساء حكومات، وزراء، وزراء ‏دفاع، جنرالات، يأتون من كل ‏أنحاء العالم من أجل الدعم المعنوي لإسرائيل، ماذا فعل طوفان الأقصى ‏بهذا الكيان وبقادة هذا ‏الكيان؟

النقطة التي تليها، هذه النتائج والتداعيات وهذه الآثار يجب أن تُشرح وتُبين لِنعرف أن التضحيات ‏القائمة ‏الآن في غزة وفي الضفة وعلى كل الجبهات، نعم هذه تضحيات مستحقة  لأنه ربما هناك ‏ناس يقولون ‏يعني حماس والإخوة في غزة كانوا عاملين هذا الحساب، نعم هذه الانجازات وهذه ‏النتائج وهذه التداعيات ‏تستحق كل هذه التضحيات، لأنها أسست لمرحلة جديدة من الصراع مع ‏هذا العدو، أسست لمرحلة تاريخية ‏جديدة من مصير الشعب الفلسطيني ومصير شعوب المنطقة ‏ودول المنطقة، هذا الأمر الذي حصل في ‏طوفان الأقصى ولذلك هو يستحق كل هذه التضحيات، ولم ‏يكن هناك خيار آخر وليس هناك خيار آخر، ‏الخيار الآخر يعني السكوت، الصمت، الانتظار، انتظار ‏الموت، انتظار ذهاب الضفة، انتظار ذهاب ‏الأقصى، انتظار المزيد من الحصار، انتظار موت ‏الأسرى، ولذلك هذا الخيار كان صائباً سليماً صحيحاً ‏حكيماً شجاعاً، مطلوباً في وقته الصحيح وفي ‏وقته المناسب ويستحق كل هذه التضحيات.‏

النقطة التي تليها: كيف تصرف العدو تجاه حادثة 7 تشرين وطوفان الأقصى؟ كان واضحاً من الساعات ‏الأولى ان ‏هذا العدو كان ضائعاً وتائهاً وشارداً، لأنه تعرفون يوم سبت وليلة عيد وهذا طبعا كان التوقيت ‏‏العظيم الذي تم انتخابه من قبل المقاومة، كانوا الجماعة يبدو كلهم نائمين، لأنه كل الليل سهرانين ‏‏وسكرانين، وليس فقط في غلاف غزة حتى في تل أبيب وفي القدس، لأنه إلى ساعات لظهر نتنياهو ‏‏وغالانت وبينوا الجماعة واستيقضوا من النوم.‏

في حالة ذهول، في حالة جنون، في حالة ضياع، في حالة غضب، غضب مع جنون، ولذلك عندما ‏ذهبوا ‏لاستعادة المستعمرات في غلاف غزة من أيدي المقاومين الفلسطينيين، هم الذين ارتكبوا ‏المجازر بحق ‏المستوطنين الاسرائيليين، وليس ما يتهمون به حماس وبقية فصائل المقاومة، وبدأت ‏الآن أصوات ‏ومقالات وتحقيقات في داخل الكيان الاسرائيلي تُقدم شواهد على هذا الأمر، وغدا ‏عندما يقف غبار ‏المعركة وتبدأ لجان التحقيق سيكتشف العالم أن أغلب من يقولون أنهم مدنيون ‏قتلتهم حماس أو قتلهم ‏الفلسطينيون، إنما قُتلوا بسلاح ورصاص وقذائف وصواريخ الجيش ‏الإ|سرائيلي، الذي كان يتصرف ‏بغضب وبجنون وبضياع.‏

أمام غزة وأمام الحادث المهول الذي تعرض له العدو، يبدو أن حكومات العدو الاسرائيلي لا تستفيد ‏من ‏تجاربها على الاطلاق، هذا الذي نسمعه دائما يقولون لنا ان اسرائيل تستفيد، تعمل تحقيقات ‏وتأخذ العبر ‏والدروس، لا يظهر هذا.‏

لا يظهر أنهم يستفيدون من التجارب ولا يأخذون عبر ودروس، وخصوصا من تجاربهم وحروبهم ‏مع ‏حركات المقاومة في لبنان وفي فلسطين، وهذا واضح ما يجري اليوم جرى في السابق، طبعا مع ‏فارق ‏ساتحدث عنه، في لبنان في تموز 2006 وفي حروب متكررة مع غزة مع فارق كمي ونوعي ‏ولكن من ‏نفس الطبيعة ومن نفس الجوهر.‏

من أهم الأخطاء  التي ارتكبت في الحروب السابقة ويرتكبها وترتكبها حكومة العدو الآن هي ‏الأهداف، ‏هي طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يُحققوها ولا يمكنهم أن يصلوا إليها، مثلاً عندما قالوا ‏أن الهدف هو ‏القضاء على حماس في قطاع غزة، على حماس كل حماس، مرة يقول اسقاط حكومة ‏حماس، مرة يقول ‏‏القضاء على قيادة حماس، مرة يقول القضاء على الجناح العسكري في حماس، ولكن مرة يقول ‏القضاء ‏على حماس، هل هناك من شحص عاقل "في رأسه عقل" يضع هكذا هدف؟ ثم بعد ذلك عندما ‏إستيقظوا ‏على نفسهم وطالبوهم عائلات الأسرى وضعوا هدفاً آخر وهو استعادة الأسرى لدى المقاومة وفصائل ‏‏المقاومة في غزة بلا قيد وبلا شرط، حسنا، هناك شخص لديه تجربة طويلة عريضة مع فصائل المقاومة ‏‏من بداية حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية الى اليوم، هل مر يوم من الأيام إستطاع الإسرائيلي فيه أن ‏‏يُحرر أسراه بدون تبادل وتفاوض؟ هذا لا يستفيد من تجاربه، حسنا، ما جرى في لبنان في الـ2006 نفس ‏‏الأمر، بعد عملية الأسيرين، جاء وقال أن هدف الحرب القضاء على حزب الله، سحق حزب الله، طبعا ‏‏كانت معه أميركا والغرب ومعه دول عربية وما شاكل، الهدف هو سحق حزب الله في لبنان وإستعادة ‏‏الأسيرين بلا قيد وبلا شرط، وقاتل 33 يوما، لا إستطاع سحق حزب الله ولا إستطاع أن يستعيد الأسيرين ‏‏من دون تفاوض ومن دون تبادل، هذه التجربة هي ذاتها، واليوم في غزة نفس الأمر، طبعا مع فارق ‏أساسي ‏أسمه حجم الجرائم والمجازر والقتل وأعمال الإبادة التي يُمارسها هناك، في حرب تموز أكثر من ‏‏150 ‏ألف منزل ما بين تدمير كامل وجزئي، آلاف الشهداء، ولكن في نهاية المطاف صمد الشعب ‏اللبناني، ‏صمدت المقاومة في الجبهات، أُجبر العدو أن يتوقف، وأن يتنازل عن أهدافه، وأنزلوه عن ‏الشجرة، اليوم ‏ما يجري في فلسطين وما يجري في قطاع غزة أيها الاخوة والاخوات، أيضا يكشف غباء ‏الإسرائيلي ‏وحماقته وعجزه، لأن ما يقوم به ما هو؟ هو يقوم بقتل الناس  في غزة، الأطفال والنساء، ‏أغلب الشهداء هم ‏من الأطفال والنساء، الأغلبية الساحقة هم من المدنيين، يدمر الكنائيس والمساجد ‏والمستشفيات والمدارس، ‏لا توجد حرمة لشيء، لا لدم ولا لمؤسسة في قطاع غزة، يدمر أبنية مليئة ‏بالسكان، يدمر أحياء بكاملها ‏تحت مرأى العالم، هل هذا يحتاج إلى أقوى سلاح جو في المنطقة؟ هل هذا ‏يحتاج إلى جيش قوي في ‏المنطقة؟ هذا يستطيع أن يفعله أي جيش يملك بعض الطائرات وبعض ‏الصواريخ، ولكن شهر بكامله لم ‏يستطع أن يقدم إنجازا عسكريا حقيقيا واحدا، وعندما تقدم إلى البر نفس ‏السيناريو في حرب تموز، عندما ‏وجد بأن القصف والمجازر وتهجير الناس وتدمير البيوت وآلاف ‏الشهداء وآلاف الجرحى، لم يمس ولم ‏يفت من عضد المقاومة، بدأ عمليته البرية، وكانت البطولات في ‏مارون الراس وفي بنت جبيل وفي القرى ‏الأمامية وفي عيتا وفي غيرها مما شهده العالم ومجازر ‏الدبابات والقتلى والجرحى في صفوف العدو، ‏اليوم يقوم بنفس الأمر بغزة، هو يُحاذر أن يقوم بعملية ‏كبيرة، يبيعها للعالم، أنه لا يقوم بعملية برية كبيرة، ‏ولكن هو يحاذر لأنه خائف، ولأنه عاجز ولأنه فاشل، ‏وحتى الخطوات المحدودة التي قام بها كُلنا شاهدنا ‏بأم العين شجاعة وبطولات المقاومين الفلسطينيين، ‏عندما يتقدم المقاوم ويضع العبوة على سطح الدبابة، ‏كيف سيقاتل هذا الجيش في أرض من هذا النوع ومع ‏مقاتلين من هذا النوع، إذاً هذا الذي تصرف به العدو ‏وما زال، في الجهد العسكري المباشر تردد وإرتباك ‏وخوف وضعف، نعم ما يُتقنه منذ 75 عاما هم ‏إرتكاب المجازر، كما فعل فلسطين وكما فعل في لبنان ‏وفي كل المنطقة، والهدف هو ان يمس بإرادة قيادة ‏المقاومة، لترفع الأعلام البيضاء، لتستسلم ولتخضع، ‏وأنا أعتقد أن المشاهد الآتية كل يوم وكل ليلة وكل ‏ساعة من قطاع غزة تقول لهؤلاء الصهاينة، مشاهد ‏الأطفال ومشاهد النساء والرجال، الخارجين من تحت ‏الانقاض الصارخين بتأييد المقاومة، تقول لهذا ‏العدو أن نهاية المعركة ستكون إنتصار غزة، وهزيمة هذا ‏العدو، وأنك لن تستطيع من خلال القتل ‏والمجازر أن تصل إلى أي نتيجة على الإطلاق.‏

أيها الإخوة ‏والاخوات، النقطة التي تليها، كل هذا الذي يجري قي قطاع غزة ويراه العالم يكشف لنا من ‏جديد ويؤكد لنا ‏من جديد، أولاً: الطبيعة المتوحشة والهمجية لهذا الكيان، لإسرائيل، للكيان الغاصب الذي ‏زرعوه في ‏منطقتنا في فلسطين بناءً على وعد بلفور المشؤوم الذي كان ذكراه بالأمس ليتلظى بناره ‏وحروبه منذ 75 ‏عاما شعوب المنطقة وأولها الشعب الفلسطيني ومصر والأردن وسورية ولبنان وكل ‏المنطقة، اليوم من ‏جديد وبعد كل السنوات التي حاولوا فيها أن يقولوا للشعوب العربية وللعالم الإسلامي ‏ولشعوب العالم، أن ‏ما في جواركم هي دولة ديمقراطية، دولة قيم إنسانية، دولة أخلاق ودولة قانون ودولة ‏تحترم القانون الدولي، ‏اليوم شهداء غزة، أطفال غزة، نساء غزة، المظلومون في غزة كما في كل ‏المجازر السابقة يكشفون ‏ويُسقطون كل هذه الأقنعة الكاذبة، التي ساهمت سياسات ووسائل الإعلام عالمية ‏وعربية في خداع شعوبنا ‏لِدفعها نحو التطبيع مع هذا الكيان أو السكوت عن هذا الكيان، وثانيا: يكشف ‏ويؤكد المسؤولية الأميركية ‏المباشرة عن كل هذا القتل والمجازر والهمجية وهذا النفاق الأميركي، منذ ‏اليوم الأول وبايدن يقول ‏أوصيناهم أن ينتبهوا للقانون الدولي، حقكم بالدفاع عن النفس ولكن إنتبهوا ‏للمدنيين، كلام فارغ، نفاق، ‏ثلاثون يوماً تسحق غزة أما المجتمع الدولي ودول العالم، ودول الغرب، التي ‏تتغنى بالقيم الإنسانية ‏وحقوق الإنسان، يتخذون حجة كاذبة أن حماس قطعت رؤوس الأطفال ولم ‏يستطيعوا أن يقدموا لها دليلا ‏على الإطلاق، ويسكتون عن آلاف الاطفال الذين تُقطع رؤوسهم في قطاع ‏غزة وتتشظى أجسادهم في قطاع ‏غزة، لنعرف حقيقة أميركا وحقيقة الغرب، وحقيقة المجتمع الدولي، ‏وحقيقة ما يُسمى بالقوانين الدولية، ‏وشريعة الغاب التي تحكم هذا العالم.‏

‏ أيها الأخوة والأخوات، من خلال هذا الذي يحدث يجب أن نعرف ‏اليوم ان أميركا هي المسؤولة بالكامل ‏عن الحرب الدائرة في غزة وعلى شعبها وأن إسرائيل هي مجرد ‏أدوات تنفيذية، أميركا هي التي تمنع ‏إدانة إسرائيل في مجلس الأمن، أميركا هي التي تمنع وقف إطلاق ‏النار في غزة، أميركا هي التي تمنع ‏وقف العدوان على غزة، وأميركا تثبت من جديد كما قال عنها الإمام ‏الخميني(قدس سره) الشيطان ‏الأكبر، هي المسؤول الأول عن كل المجازر في القرن الحاضر والماضي، ‏من هيروشيما إلى فيتنام إلى ‏العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين وإلى كل المنطقة، ويجب ان تُحاسب على ‏جرائمها وعلى مجازرها، ‏ويجب أن تُجازى على ما ترتكبه بحق شعوب منطقتنا.‏

‏ وفي هذا السياق أيها ‏الأخوة والاخوات، يأتي قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة القواعد ‏العسكرية الأميركية، قواعد ‏الإحتلال الاميركي في العراق وفي سورية بإعتبار أن الأميركي هو الذي يُدير ‏الحرب في غزة، وهو الذي ‏يجب أن يدفع ثمن عدوانه ودعمه وإحتلاله وجرائمه في العراق وفي سورية ‏وفي فلسطين، وهذا قرارٌ ‏حكيمٌ من قيادة المقاومة الإسلامية في العراق، قراٌ حكيم وصائب وصحيح ‏وشجاع ومبارك، وقد سمعنا ‏اليوم وبالأمس أيضا خطوات جديدة بإتجاه فلسطين المحتلة في أكثر من نقطة ‏وسيتضح ذلك في الساعات ‏والأيام القليلة المقبلة، ونحن هنا نُوجه التحية لهؤلاء المقاومين الشرفاء الذين ‏ينصرون إخوانهم ويُغيثون ‏المظلومين والمعذبين ويدخلون إلى المعركة بحق. أيها الإخوة والأخوات، ‏النقطة التي تليها، إن واجب كل ‏حر وشريف من هذا العالم أن يُبين هذه الحقائق التي تحدثنا عنها، في ‏معركة الرأي العام التي يخوضونها بالأكاذيب ‏والتزوير والتحريف، والرأي العام العالمي بدأ ينقلب على ‏هؤلاء الطغاة، على قتلة الأطفال الحقيقيين، ‏والعالم كله يرى آلاف الأطفال والنساء يُقتلون وتمزق أجساهم ‏أمام كاميرات العالم، هذا أضعف الإيمان في ‏هذه المعركة، التي هي معركة الحق والباطل، معركة ‏الإنسانية مقابل التوحش والهمجية التي تُمثلها ‏أميركا وبريطانيا وإسرائيل وبعض دول الغرب، الدفاع ‏اليوم عن شعب غزة هو مقتضى إنسانية الإنسان، ‏من يصرخ، من يكتب، من يأخذ موقفاً، من يتظاهر، ‏من يدعم، من يساند، من يتكلم، من يتحرك فضلاً عن ‏من يقاتل، هذا هو مقتضى إنسانية الإنسان، ومن ‏يسكت يجب أن يُعيد النظر في إنسانيته إن كان إنساناً وفي دينه إن كان ينتمي إلى دين وفي شرفه إن ‏كان ‏يدعي أنه شريف، وهنا يجب أن يتحمل الكل مسؤوليته.‏

‏ أيها الأخوة والأخوات أصل إلى تحمل ‏المسؤولية، في العام 1948 عندما تخلى العالم عن الشعب ‏الفلسطيني قام هذا الكيان، ودفع الشعب الفلسطيني ‏وكل شعوب المنطقة وكل دول المنطقة آثار وسلبيات ‏وآلام قيام هذا الكيان، التبعات لم تكن فقط على ‏الشعب الفلسطيني، كانت على الأردنيين والمصريين ‏والسوريين واللبنانيين، ولعله لبنان من أكثر الدول ‏والشعوب التي عانت من آثار وجود هذا الكيان المعتدي ‏والغاصب والطماع، وهذه حقيقة تاريخية، من ‏يستطيع أن يتهرب منها أو يتنكر لها؟ اليوم نفس الأمر، ‏اليوم ما يجري في غزة ليس حرباً كبقية ‏الحروب السابقة، وليس حادثاً كبقية الحوادث، ليست معركة ‏كبقية المعارك، هي معركة فاصلة، ‏حاسمة تاريخية ما بعدها ليس كما قبلها على الإطلاق وهذا يفرض ‏على الجميع أن يتحمل المسؤولية، ‏عندما نتحدث عن تحمل المسؤولية يجب أن نضع الأهداف القريبة التي ‏يجب أن نعمل لها جميعا وفي ‏رأينا هناك هدفان، الهدف الأول الذي يجب العمل له في الليل وفي النهار، ‏وقف العدوان على قطاع غزة، ‏وقف الحرب على قطاع غزة، والهدف الثاني أن تنتصر غزة، أن تنتصر ‏المقاومة الفلسطينية في غزة وأن ‏تنتصر حماس بالتحديد في غزة، هذه أهداف يجب أن يتم وضعها نُصب ‏العين، ويجب العمل من أجلها، ‏الهدف الأول وقف الحرب ووقف العدوان أسبابه ودواعيه وأدلته إنسانية ‏وأخلاقية ودينية وشرعية وليست ‏قابلة للنقاش، أما الهدف الثاني أيها الأخوة والاخوات ويا كل السامعين ‏هو مصلحة الجميع، هو بالتأكيد ‏أولاً مصلحة الشعب الفلسطيني، مصلحة كل الشعب الفلسطيني، ولكنه ‏أيضا ولأن هناك أناس يلعبون ‏بالتزوير والتحريف، يوجد من يقول لك، إذا إنتصرت غزة يعني إنتصرت ‏إيران، إذا انتصرت غزة فلنقل ‏الأمور على المكشوف يعني إنتصر الإخوان المسلمين في المنطقة، هذا ‏تضليل وتحريف وتزوير، ‏إنتصار غزة يعني إنتصار الشعب الفلسطيني، إنتصار الأسرى في فلسطين، ‏إنتصار الضفة والقطاع ‏والقدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهو أيضاً إنتصار لدول وشعوب ‏المنطقة وخصوصا دول الجوار، ليس ‏هناك وقت لأن أشرح بالتفصيل، ولكن تكفي الإشارة، إنتصار ‏غزة اليوم هو مصلحة وطنية مصرية، ‏إنتصار غزة اليوم هو مصلحة وطنية أردنية، إنتصار غزة اليوم ‏هو مصلحة وطنية سورية، وأولاً وقبل كل ‏الدول إنتصار غزة اليوم هو مصلحة وطنية لبنانية، وأعتقد أن ‏هذا الأمر تم شرحه خلال الأيام القليلة ‏الماضية، ماذا يعني أن تنتصر إسرائيل في غزة؟ ماذا يعني أن ‏تُهزم المقاومة في غزة؟ ما هي تداعيات ‏هذا على دول المنطقة؟ على فلسطين، على قضية فلسطين؟ ‏وخصوصا على لبنان؟ في البعد الأمني ‏والسياسي والبعد الشعبي والبعد الديمغرافي، والعدو يتهدد لبنان ‏وشعب لبنان، ويتوعد، هو يغرق في رمال ‏غزة عاجز وفاشل ولكنه يستقوي، يستقوي على الشعب ‏اللبناني ويتهدد الشعب اللبناني بماذا؟ بدماء ‏الأطفال في غزة، بدماء وأشلاء النساء في غزة، بالمساجد ‏والكنائس المدمرة في غزة، وهذا منتهى ‏الوحشية والهمجية.‏

‏ إذاً أيها الأخوة والأخوات، المسؤولية هي مسؤولية الجميع في هذا العالم، كل حر وكل ‏شريف في هذا ‏العالم يجب أن يتحمل المسؤولية، الدول والحكومات العربية والإسلامية يجب أن تعمل كل ‏جهدها لفرض ‏وقف العدوان على غزة بالحد الأدنى، لا تريدون أن تعملون للهدف الثاني، دينكم وإنسانيتكم ‏وأخلاقكم ‏وضمائركم تفرض عليكم أن تعملوا من أجل الهدف الأول وهو وقف العدوان، لا يكفي التنديد ‏وبيانات ‏الإستنكار والشجب، إقطعوا العلاقات، إسحبوا السفراء، لا يكفي أن نخطب، وفي نفس الوقت ‏نُرسل النفط ‏إلى إسرائيل، ونُرسل الغاز إلى إسرائيل، ونُرسل المواد الغذائية إلى إسرائيل، للأسف الشديد ‏في الحروب ‏الماضية، كان الخطاب للدول العربية والإسلامية إقطعوا النفط عن أميركا، وأصبحا اليوم نحلم ‏ونطالب ‏ونقول للدول العربية والإسلامية إقطعوا النفط عن إسرائيل، وإقطعوا المواد الغذائية عن ‏إسرائيل، وأوقفوا ‏تصدير ما تُصدرونه إلى إسرائيل، قرآت لبعض الإسرائيليين متهكماً على الدول العربية، ‏يقول: 22 نظام ‏ودولة عربية لا تستطيع أن تُخرج مريضاً جريحاً من غزة، لا تستطيع أن تُدخل شاحنة ‏مساعدات إلى ‏غزة، هل وصل العجز العربي إلى هذا المستوى؟ الأخوة في غزة في نداءاتهم يقولون للدول ‏العربية لا ‏نُطالب بجيوشكم ولا سلاحكم ولا صواريخكم، ولكن أليس فيكم بعض القوى حتى تفتحوا معبر ‏رفح؟ ‏وتفرضوا إدخال مساعدات وإخراج الجرحى؟ ألا يستطيع هؤلاء أن يذهبوا ويعتصموا عند معبر ‏رفح، من ‏ملوك ورؤساء ووزراء وعلماء، كبار القوم في العالم العربي والإسلامي، هم ونساؤهم وأطفالهم، ‏على ‏مقربة من نساء وأطفال غزة، ويُحولوا الحدود مع رفح إلى منبر يُخاطبون من خلاله كل العالم، ‏‏ويخاطبون شعوبهم ويُحملون الجميع المسؤولية؟ على كل حال، يجب أن نقول هذا الكلام، أنا لا أريد أن ‏‏أذهب لا إلى لغة التخوين ولا إلى لغة إساءة الكلام، لأن هذا لا يُجدي نفعا، وإنما بجب أن لا نيأس من ‏‏المناشدة والمطالبة وإقامة الحجة وتحميل المسؤولية، عسى في لحظة من اللحظات أن يستفيق ضميرٌ هنا ‏‏وشرفٌ هناك.‏

‏ أما بالنسبة لحركات المقاومة، وهنا أصل إلى المقطع الأخير، الذي أعتقد أن الجميع بإنتظار هذا ‏المقطع، ‏المقاومة الإسلامية في العراق بدأت تتحمل مسؤوليتها وأعلنت أنها قد تدخل في مرحلة جديدة، ‏الأخوة في ‏اليمن، الأخوة الشرفاء في اليمن، الجيش اليمني، حركة أنصار الله، الشعب اليمني، الصابر ‏المظلوم ‏المقاوم، المجاهد، أيضاً وبشكل علني ورسمي، وبالرغم من كل التهديدات الأميركية والغربية ‏والأجنبية، ‏قام بعدة مبادرات حتى الآن، أرسل صواريخه ومسيراته حتى لو أسقطوها لكنه عندما يواصل ‏في نهاية ‏المطاف ستصل، ستصل هذه الصواريخ وهذه المسيرات اليمنية إلى إيلات، وإلى جنوب ‏فلسطين، وإلى ‏القواعد العسكرية الإسرائيلية المحتلة في جنوب فلسطين، ولهم كل التحية وكل التقدير، أما ‏في جبهتنا ‏اللبنانية، لأن البعض يقول أن السيد سيعلن عن دخول المعركة، نحن دخلنا المعركة من 8 ‏تشرين الأول، ‏نحن دخلنا المعركة منذ ذلك الحين، بدأت المقاومة الإسلامية في لبنان بعملياتها  يعني في ثاني يوم من ‏‏طوفان الأقصى، لم يكن لدينا علم بشيء، صدقاً وعدلاً، يوم السبت أخذنا علم مثل كل العالم، وإنتقلنا ‏سريعاً ‏من مرحلة إلى مرحلة، في اليوم الثاني بدأت العمليات في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ‏وبعدها ‏امتدت إلى كامل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وأنتم واكبتم وتُواكبون أخبار العمليات بشكل ‏يومي ‏وبشكل تفصيلي، ما يجري على جبهتنا مهمٌ جداً، ومؤثرٌ جداً، قد يبدو للبعض الذي يتوقع أو يُطالب ‏أن ‏يدخل حزب الله سريعاً في حرب شاملة وكاملة مع العدو قد يبدو ما يجري على الحدود متواضعاً، ‏ولكن لو ‏نظرنا إلى ما يجري على الحدود بموضوعية سنجده كبيراً جداً ومهماً جداً ومؤثراً جداً، طبعا لن ‏يتم الإكتفاء ‏به على كل حال، لن يتم الإكتفاء به على كل حال، ما يجري على جبهتنا اللبنانية من جهة هو ‏غير مسبوق ‏في تاريخ الكيان، منذ العام 1948، ومنذ أن كان هناك مواقع عسكرية إسرائيلية على الحدود ‏مع لبنان، ومنذ أن كان هناك مستعمرات ‏ومستعمرون ومُحتلّون في شمال فلسطين المحتلة على الحدود مع ‏لبنان، لم يحصل ‏حتى في حرب تموز. ‏

ما يجري الآن منذ 8 تشرين الأول، أن تتعرّض كلّ المواقع العسكرية الإسرائيلية ‏من البحر إلى أعالي ‏مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أن تتعرّض إلى عمليات هجومية ‏يومية ومُركّزة تستهدف هذه المواقع وما ‏بينها، تستهدف الدبابات والآليات ‏والمُسيّرات والجنود وتجمّعاتهم وتجهيزاتها الفنية التي هي عيونها ‏وآذانها وبمختلف ‏الأسلحة. ‏

المقاومة الإسلامية في لبنان منذ 8 تشرين الأول تخوض معركة حقيقية لا يشعر بها ‏إلا من هو موجود ‏بالفعل في المنطقة الحدودية، مِنَ المقاتلين ومِن السكان، معركة ‏حقيقية مُختلفة عن كلّ المعارك التي ‏خاضتها المقاومة في لبنان، سواءً قبل عام ‏‏2000 أو في عام 2006 وما بعدها، معركة مختلفة من نوع ‏آخر، في ظروفها، في ‏حيثياتها، في عناوينها، في أدواتها، في استهدافاتها، في إجراءاتها، ولذلك تَقدّم فيها ‏‏هذه الكوكبة الكبيرة من الشهداء الشجعان المضحّين الذين كانوا يُصرّون على البقاء ‏والتواجد في الخطوط ‏الأمامية.‏‎ ‎

عند الحدود أيها الإخوة، يوم السبت في 7 تشرين الأول، أي بعد عملية طوفان ‏الأقصى مباشرة، بدأ العدو ‏بسحب قوات نظامية من الحدود، دعوني أشرح قليلًا‎ ‎ماذا حقّقت هذه العمليات حتى الآن؟ عندما نتحدّث ‏عن شهداء في الجبهة اللبنانية،‎ ‎ما ‏يقارب سبعة وخمسين شهيدًا بما فيهم شهيدا السرايا اللبنانية، إضافة إلى ‏شهداء ‏كتائب القسام وإضافة إلى شهداء سرايا القدس في لبنان وإضافة إلى الشهداء ‏المدنيين، فلنرى ‏هؤلاء الشهداء، هذا الدم ماذا فعل وماذا أنجز؟ هذا مُهم جدًا أن ‏نعرفه حتى نعرف كيف نُكمل. ‏

أولًا، عند الحدود يوم السبت في 7 تشرين الأول بدأ العدو بسحب قوات من الحدود مع ‏لبنان، لأنّه طبعًا ‏هو في حالة انهيار معنوي ويُريد أن يحشد قوات واستدعى ‏الاحتياط، تصوّروا من أجل غزة وقطاع غزة ‏المحاصر، المساحة المحدودة، هو ‏يُريد أن يُرسل كل الجيش إلى غزة، يريد أن يسحب من الضفة ومن ‏شمال فلسطين ‏ويستعيض عنهم ببعض قوات الاحتياط، واستدعى الاحتياط، وهذه طبعًا يمكن لها ‏سابقة ‏مرة أو مرتين في تاريخ الكيان. حسنًا، العمليات التي بدأت ويومًا بعد يوم ‏كانت تتصاعد وصولًا إلى ما ‏كانت عليه يوم أمس أجبرت العدو على أن يُبقي قواته ‏عند الحدود وفي شمال فلسطين المحتلة‎ ‎بل أن ‏يضيف إليها قوات، بعض القوات ‏وخصوصًا قوات النخبة التي كان يريد أن ينقلها من الضفة إلى غزة ‏جاء بها إلى ‏شمال فلسطين المحتلة، وبالتالي يُمكنني أن أقول هذا العنوان أنّ الجبهة اللبنانية ‏خفّفت جزءًا ‏كبيرًا من القوات التي كانت ستُسخّر للهجوم على غزة وجذبتها ‏باتجاهنا، ونحن هنا نعم، نحن هنا نُعرّض ‏أنفسنا للخطر، صحيح، البعض يقول في ‏لبنان أنّنا نُغامر، صحيح، ولكن هذه المغامرة وضمن حسابات ‏مفيدة وصحيحة. ‏

انظروا يا إخواني، لو كان موقفنا فقط أنّنا متضامنين سياسيًا ونخطب ونقوم ‏بمظاهرات كل يوم وكان ‏الإسرائيلي مرتاح عند الحدود الشمالية كانت كل قواته ‏ستذهب إلى غزة وجزء من القوات إلى الضفة. لكن ‏جبهة لبنان ماذا فعلت؟ لدّي ‏أرقام دقيقة لعديد القوات والآليات والفرق والألوية والكتائب وما شاكل، لكن ‏لأن ‏هذا يحتاج لشرح وأرقام دقيقة أنا طلبت من الإخوان تقدير قريب بتعابير سهلة. ‏

اليوم جبهة لبنان استطاعت أن تجذب ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، ‏ثلث الجيش الإسرائيلي ‏الآن موجود في قِبال هؤلاء المجاهدين الذين يقاتلون عند ‏الحدود، هذا واحد. وجزء مهم من هذه القوات ‏هي قوات نخبة وقوات نظامية، وهذه ‏كان يمكن أن تذهب إلى غزة. ‏

اثنين، نصف القدرات البحرية الإسرائيلية الآن موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ‏ومقابل حيفا. ‏

ثلاثة، ربع القوات الجوية مُسخّرة باتجاه لبنان. ‏

أربعة، ما يُقارب نصف الدفاع الصاروخي، أي القبّة الحديدية والقبّة الصاروخية ‏والباتريوت وما شاكل، ‏تقريبًا النصف مُوجّه باتجاه جبهة لبنان. تقريبًا الثلث من ‏القوات اللوجستية مُوجّهة باتجاه لبنان. حسنًا، هذه ‏واحدة من الثمار المباشرة، وهذه ‏أرقام صحيحة ودقيقة، طبعًا يمكن للإخوان لاحقًا أن يضعوا أرقامًا، لكن ‏أنا أحببت ‏أن أقول نسب تقريبية، هذا واحد. ‏

اثنين، نزوح عشرات الآلاف من سكان المستعمرات وإخلاء آلاف آخرين، أي هناك ‏أناس هم لوحدهم ‏رحلوا وهناك أناس جاءت الحكومة والجيش الإسرائيلي رحّلوهم. ‏في الشمال هناك ثلاث وأربعين ‏مستعمرة تمّ إخلاؤها ومن هم موجودون الآن في ‏المستعمرات هم بالأعم الأغلب جنود وليسوا مدنيين. ‏

في الجنوب مقابل غزة ثمانية وخمسين مستعمرة تمّ إخلاؤها.‏‎ ‎هؤلاء الذين تمّ ‏إخلاؤهم من الشمال ومن ‏الجنوب يُشكّلون ضغطًا كبيرًا على المستوى النفسي ‏والمعنوي والمالي والاقتصادي، وهذا وزير المالية ‏يصرخ على إسرائيل ويخدم في ‏مسألة الضغط والوقت. ‏

العنوان الثالث: وهو الأهم أو لا يقل أهمية، إنّ هذه العمليات على الحدود وفي ‏مزارع شبعا أوجدت حالة ‏من القلق والترقب والذعر والخوف لدى قيادة العدو ‏السياسية والعسكرية، وأيضًا لدى الأمريكيين الذين ‏سنتحدث عنهم في النهاية ‏كلمتين. القلق من إمكانية أن تذهب هذه الجبهة إلى تصعيد إضافي أو إلى حرب ‏‏كاملة، أو القلق من أن تتدحرج هذه الجبهة إلى حرب واسعة، وهذا احتمال واقعي ‏ويمكن أن يحصل وعلى ‏العدو أن يحسب له كلّ حساب وهو يحسب له كلّ حساب، ‏هم عبّروا عن ذلك وتحدّثوا عن ذلك وهو داخل ‏في حساباتهم ونقرأه بقوة من خلال ‏كل الرسائل الأمريكية والفرنسية والأوروبية والغربية وبعض العربية ‏التي تصلنا ‏في كلّ يوم من 7 تشرين الأول إلى اليوم. ‏

هذه النتيجة، إيجاد حالة القلق والغموض والذعر لدى قيادة العدو تخدم أمرين ‏أساسيين مهمين: ‏

الأمر الأول، تجعل العدو يحسب خطواته جيدًا باتجاه لبنان، هنا نتحدّث عن الردع، ‏هنا نتحدّث عن ‏الخوف الإسرائيلي الحقيقي، لو عملية واحدة ممّا جرى خلال الشهر ‏الماضي، عملية واحدة حصلت على ‏موقع إسرائيلي أو دبابة إسرائيلية أو تحشّدات ‏إسرائيلية عند الحدود ما كان يمكن للعدو أن يتحمّل ذلك، ‏ولكنّه اليوم يتحمّل كلّ ذلك ‏ويضبط إيقاعه لأنّ لديه خشية حقيقية من ذهاب الأمور إلى ما يخاف وإلى ما ‏‏يحذر. إذًا، الأمر الاول هذا الحضور في الجبهة، هذه العمليات في الجبهة، هذه ‏الجهوزية في الجبهة، هذا ‏العمل اليومي يجعل العدو مردوعًا وإلا كلّنا سمعنا وزير ‏الدفاع وغير وزير الدفاع والأصوات التي ‏تتحدّث عن اغتنام فرصة التأييد ‏الأمريكي والدولي لإسرائيل في حربها على غزة لفتح حرب على لبنان أو ‏القيام ‏بعملية استباقية تجاه لبنان، عمليات المقاومة في الجنوب ودماء شهدائنا وشهدائكم ‏في الجنوب تقول ‏لهذا العدو الذي قد يُفكّر بالاعتداء على لبنان أو بقيامه بعملية ‏استباقية باتجاه لبنان أنّك سترتكب أكبر ‏حماقة في تاريخك ووجودك. ويُخيفنا ويقول ‏‏"أيها اللبنانيون انظروا إلى غزة"، لقد شهدنا هذه المشاهد ‏منذ 1948 وهي ليست ‏مشاهد جديدة علينا، وهذه المجازر في لبنان تشهد من قانا إلى صبرا وشاتيلا، ‏‏بالعكس هذه المشاهد في غزة ستجعلنا أكثر قناعة وإيمانًا بوجوب الصمود والقتال ‏والمواجهة والتحدّي ‏وعدم الاستسلام مهما كانت التهديدات والضغوط. ‏

الأمر الثاني الذي يتحقّق هو من خلال هذه العمليات وهذا القلق وهذا الغموض ‏سيدخله في حساباته وهو ‏يتصرّف مع غزة وخصوصًا في العمليات البرية وهو ‏يعمل لهذا كلّ حساب. ‏

إذًا هذه أهداف، هذه نتائج تُحقّقها المواجهة اليوم في الجنوب وتُحقّقها دماء الشهداء، ‏إضافة إلى حجم ‏الخسائر البشرية والمادية التي أصابت هذا العدو خلال الأسابيع ‏القليلة الماضية،‎ ‎هذه العمليات ودماء ‏الشهداء وتضحيات المُضحّين من الشهداء ‏والجرحى والمقاومين المُرابطين وأهلنا الشرفاء الذين ما زالوا ‏في القرى أو الذين ‏يتحمّلون اليوم أعباء النزوح، النزوح المؤقّت، هؤلاء جميعًا هم في موقع التضحية ‏في ‏هذه المعركة التي تستحق هذا الموقف وهذا الأداء. هذه العمليات هي تعبير عن ‏تضامننا مع غزة، مع ‏شعبها، مع مقاومتها، بدماء الشهداء، بعرق المجاهدين،‎ ‎بسهر ‏الليالي، بمواجهة الأخطار لتخفيف الضغط ‏عنهم في حالة الجنون والضياع التي ‏تُسيطر على قيادة العدو السياسية والعسكرية. ‏

حسنًا، هنا نصل إلى النقطة المهمة، الآن هذه الجبهة عندنا ليعرف العالم. انظروا، ‏على مدى أسابيع ‏ضغوط، اتصالات، تهديدات، حتى قيل لنا من اليوم الأول أنّه إذا ‏تشنون عمليات في الجنوب، إذا تفتحون ‏الجبهة في الجنوب، هذه الأساطيل ‏الأمريكية جاءت من أجلكم، والطائرات الأمريكية هي الذي ستقصفكم، ‏هذا قيل لنا في ‏يوم الأحد في 8 تشرين الأول، وقيل لنا في أكثر من يوم، وفي بعض التفاصيل عندما ‏‏دخلت بعض المجموعات الفلسطينية من حماس والجهاد من الحدود اللبنانية إلى ‏داخل أرض فلسطين ‏المحتلة، عند أول عملية أيضًا جاء التهديد أنّ الطائرات ‏الأميركية ستقوم بقصفكم،‎ ‎ودخلت المجموعة ‏الثانية ودخلت المجموعة الثالثة ‏وستدخل مجموعات جديدة أيضًا إن شاء الله، هذا التهديد لم يكن ليُغيّر من ‏موقفنا ‏شيئًا على الإطلاق. ولذلك نحن بدأنا العمل في هذه الجبهة وأمر هذه الجبهة ‏وتصاعدها وتطوّرها ‏بأي اتجاه مُعيّن مرهونٌ بأمرين، بأحد أمرين أساسيين: ‏

الأمر الأول، مسار وتطور الأحداث في غزة، هذه الجبهة هي جبهة تضامن، هي ‏جبهة مُساندة لغزة، ‏ولذلك تتطوّر وتتحرّك على ضوء الأحداث هناك وما تقتضيه ‏حقًا طبيعة الأحداث والتهديدات والتطورات ‏هناك. ‏

والأمر الثاني الذي يتحكّم بجبهتنا اللبنانية هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان، ‏وهنا مُجدّدًا أحذره من ‏بعض التمادي الذي طال بعض المدنيين فقضوا شهداء‎ ‎وهذا ‏سيُعيدنا إلى المدني في مقابل المدني. في كلّ ‏الأحوال، مسار سلوك العدو اتجاه ‏لبنان هو أيضًا يتحكّم بجبهتنا، أنا أقول بكل شفافية وصدق ووضوح ‏وغموض،‎ ‎بكل ‏شفافية وصدق ووضوح وغموض، وغموض بنّاء أيضًا، أنّ كلّ الاحتمالات في ‏جبهتنا ‏اللبنانية مفتوحة، وأنّ كلّ الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أي ‏وقت من الأوقات، ويجب أن ‏نكون جميعًا مُهيّئين وجاهزين وحاضرين لكل ‏الاحتمالات والفرضيات المقبلة. وأقول للأميركيين، التهديد ‏والتهويل علينا وعلى ‏المقاومين في منطقتنا لا يُجدي نفعًا، لا يُجدي نفعًا، لا على حركات المقاومة ولا ‏‏على دول المقاومة، تعرفون أنه وصل الأمر، لقد وصلتنا رسائل قيل فيها إذا أكملتم ‏العمليات بالجنوب ‏أميركا ليس فقط ستقصفكم في لبنان بل ستقصف إيران أيضًا، ‏تصوّروا! التهديد والتهويل علينا وعلى ‏المقاومين في منطقتنا لا يُجدي نفعًا، ‏أساطيلكم في البحر الأبيض المتوسط هذه لا تُخيفنا ولم تُخفنا في يوم ‏من الأيام، وأنا ‏أقول لكم بكل صدق وصراحة إنّ أساطيلكم التي تُهدّدون بها لقد أعددنا لها عُدّتها ‏أيضًا. ‏أيها الأمريكيون تذكّروا هزائمكم في لبنان وفي العراق وفي أفغانستان ‏وخروجكم المذل من أفغانستان. أيها ‏الأمريكيون إنّ الذين هزموكم في لبنان في ‏بدايات الثمانينات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم ‏وأحفادهم أيضًا.‏

إذا كانت السياسة الأمريكية والغربية تُنادي بِمنع اتّساع المواجهة في المنطقة ‏فطريقها ليس التهديد ‏والتهويل على المقاومين الشرفاء الذين يُدافعون عن المظلومين ‏وينصرون المقدسات، وإنّما طريقها وقف ‏العدوان على غزة، وهذه إسرائيل أداتكم ‏وجنديكم وخادمكم وتحت وصايتكم أنتم الأمريكيون تستطيعون أن ‏تُوقفوا العدوان ‏على غزة لأنّه عدوانكم، من يريد منع قيام حرب إقليمية - والخطاب للأمريكيين - ‏يجب أن ‏يُسارع إلى وقف العدوان على غزة، وأنتم أيها الأمريكان تعرفون جيدًا أنّه ‏إذا حصلت الحرب في المنطقة ‏فلا أساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع وأنّ الذي ‏سيدفع الثمن بالدرجة الأولى مصالحكم وجنودكم ‏وأساطيلكم التي ستكون الضحية ‏والخاسر الأكبر. ‏

اليوم العالم كله مُطالب باسم هذه الدماء المظلومة، دماء آلاف الأطفال والنساء في ‏غزة، بإسم المدنيين، ‏بإسم المساجد والكنائس والمستشفيات، بإسم كل ما هو إنساني ‏وأخلاقي وله قيمة‎ ‎مُطالب بأن يتّخذ موقفًا، ‏بأن يعمل في الليل وفي النهار بجد من ‏أجل وقف العدوان وليس لرفع العتب. ‏

أيّها الإخوة والأخوات، في الأفق أقول لشعبنا الفلسطيني ولأهلنا في غزة ولكلّ ‏المقاومين الشرفاء في ‏فلسطين وفي منطقتنا،‎ ‎في الأفق نحن جميعًا منذ قيام المقاومة ‏بعد قيام الكيان نخوض معركة صمود، ‏معركتنا لم تصل إلى مرحلة الانتصار ‏بالضربة القاضية، ما زلنا نحتاج إلى وقت، حتى نكون واقعيين، ‏ولكنّنا ننتصر ‏بالنقاط، ننتصر ونغلب بالنقاط، هكذا انتصرت المقاومة في لبنان عام 1985 وفي ‏عام ‏‏2000 وفي عام 2006، وهكذا انتصرت المقاومة في غزة وهكذا حقّقت ‏المقاومة في الضفة إنجازات‎ ‎‎وهكذا انتصرت المقاومة في العراق وهكذا انتصرت ‏أفغانستان، بالصمود، بالصبر،‎ ‎بالقدرة على التحمّل، ‏هذا ما لا يملكه العدو، يخرج ‏الناس من تحت الأنقاض في غزة ويقولون فداء للمقاومة، في حرب تموز ‏تُدمّر ‏البيوت ويخرج الناس ويقولون فداء للمقاومة، هل تجدون في هذا الشعب الذي جِيء ‏به من كل أنحاء ‏العالم من يقول أنّ بيتي وابني وزوجي فداءٌ لإسرائيل؟ لم نسمع ‏شيئًا من هذا حتى الآن. ‏

المعركة إذًا هي معركة الصمود والصبر والتحمّل وتحقيق الإنجازات وتراكم ‏الإنجازات وإفشال العدو ‏ومنع العدو من تحقيق أهدافه‎ ‎وهكذا سننتصر، نحن جميعًا ‏أعود وأقول يجب أن نعمل ليقف العدوان على ‏غزة ويجب أن نعمل لتنتصر غزة ‏وتنتصر المقاومة في غزة. ‏

وأنا أقول لكم أولًا إيمانًا بالوعد الإلهي الذي وعد المؤمنين الصادقين الصابرين ‏المجاهدين بالنصر، هذا ‏وعد الله ولم يُخلف الله معنا في يوم من الأيام وعده،عندما ‏وجدنا حقًا وحقيقة صابرين صامدين ثابتين ‏نُقاتل في سبيله مهما بلغت التضحيات، ‏التضحيات هي دليل الصدق والإخلاص الذي يستجلب النصر ‏الإلهي، هكذا كنا في ‏كل الحروب السابقة. وأنا شخصيًا أيضًا ومن موقع التجربة الشخصية مع سماحة ‏‏الإمام القائد السيد الخامنئي الذي كرّر أكثر من مرة في هذه الأيام يقينه وإيمانه ‏انطلاقًا من يقينه بالوعد ‏الإلهي أنّ غزة ستنتصر وأن فلسطين ستنتصر، وهو الذي ‏قال لنا ذلك بعد أيام قليلة من حرب تموز حين ‏لم يكن هناك أيّ أفق للانتصار، عندما ‏قال لنا ستنتصرون بل ستتحوّلون إلى قوة إقليمية. ‏

أنا أقول لأهلنا في غزة بالرغم من كلّ الجراح لأهلنا في الضفة لكل الشعب ‏الفلسطيني لكل الشعوب ‏المقاومة في المنطقة لكل الذين تخفق قلوبهم للأطفال ‏والنساء والمظلومين في فلسطين وفي غزة، أقول ‏لهم: إنّ تحمّلنا المسؤولية وصمودنا ‏جميعا وصبرنا واحتسابنا ما يجري وما نُقدّمه من دماء وتضحيات ‏في عين الله وفي ‏سبيل الله سيكون نتيجته النصر الأكيد إن شاء الله، ونحن وإياكم وإن كنّا اليوم نحتفي ‏‏ونُكرّم ونحتفل بشهدائنا الأعزاء الأطهار سنلتقي قريبًا للاحتفال إن شاء الله بانتصار ‏غزة وشعب غزة ‏ومقاومة غزة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏