يفترض أن نتأمل في هذه الحلقات في مهدويةِ شهرِ رمضان المبارك
وفي أنه كم العلاقة بين هذا الشهر وصاحب العصر والزمان(عج) وطيدة
وأنه لا بد أن تكون أهم أذكارنا فيه ذكره(عج) والدعاء لفرجه
وتمنّي ظهوره، بل وحتى الانتظار وكسب المزيد من الأمل بالظهور
علينا أن نعمل على أن يكون شهر رمضاننا
مُذَكِّراً بصاحب الزمان أرواحنا له الفداء ومُذَكِّراً بالفرج
ومثلما تحيي أجواء محرّم الحرام ذكر الإمام الحسين(ع)
لنجعل الأجواء الرمضانية بالنسبة لنا وبشكل خاص
مُحيِيَة لذكرى صاحب الزمان(عج) ولذكر الفرج
ونعتبر شهر رمضان المبارك أنسب وقت وخير فرصة
للاهتمام بموضوع انتظار الفرج
ومن الأمور التي لها أن تساعدنا كثيراً هي أدعية شهر رمضان المبارك
ولاسيما دعاء الافتتاح الذي يبدو أساساً أنه جُعل لكي نفكر في الفرج
ولكي تتوطّد علاقتُنا بصاحب العصر أرواحنا له الفداء
ثم إنه جاءت التوصية بتلاوته كل ليلة
وثمة احتمال كبير بأنه منقول عن المعصوم(ع)
وكان أحد النواب الأربعة يقرأه كل ليلة
ولا يُستبعَد أن يكون وصلَه من الناحية المقدسة
وإن فقراته وعباراته العالية المضامين تؤكد ذلك
إذن دعونا نتناول هذا الدعاء
يبدأ الدعاء بفقرات في حمد الله والثناء عليه وفي المناجاة مع الله
لتكون مقدمة للصلاة على النبي الأعظم(ص)
وأهل بيت العصمة والطهارة(ع)
ومن ثم الدعاء للفرج.. والمناجاة حول غَيبة صاحب العصر(عج)
دعونا في هذه الحلقات القليلة نتأمل بعض الشيء
في علاقة ما جاء في مقدمة الدعاء من الاستغفار والمناجاة
ومن ذكر الله تعالى وحمده والثناء عليه
مع أواخره، أي موضوع الاهتمام بغَيبة صاحب العصر(عج)
وبالظهور وتمنّيه والارتباط بالإمام(ع)
من الخصائص التي تسعى إليها الأدعية أساساً وتمتلكها بشكل بارز
هي أن جميع الأدعية الواردة عن المعصومين(ع)
تغص بتلقين الإنسان الأملَ والرجاء برحمة الله ورأفته ومغفرته
ونحن بحاجة إلى هذا التلقين، فنحن باستمرار عُرضة لليأس
فكما يقال بالنسبة للأطعمة بأنّ أغلبها ذو طبع بارد
ولا بد من تناول الأغذية الحارةِ الطبع معها لمعادلتها
فإن حياتنا في هذه الدنيا، ولأسباب شتى؛ منها وساوس إبليس
وهو الآيِس، والذي يحاول نقل يأسه إلى الآخرين
أقول إننا دائماً عرضة للقنوط في حياتنا
فحين نعيش حياتنا بشكل طبيعي نشاهد حولنا قضايا ونواجه مشكلات
تزرع فينا اليأس من حضرة الحق تعالى
ولذا فإن من جملة مراقبات المؤمنين هي الدأب على الابتعاد عن القنوط
علينا أن نفرض على أنفسنا القيام بين الفينة والأخرى
بتخلية أرواحنا من اليأس
فليس اليأس هو مما يأتينا صدفة
وهو ليس مما يصيب البعض جراء غياب العقيدة أو لأي سبب سيّئ آخر
فكل خطيئة، وكل غَفلة تزرع فينا حالة من القنوط
ولو أننا لم نجتهد في حفظ الأمل لهزَمَنا اليأسُ شيئاً فشيئاً
وإن من الإجراءات التي تبدد اليأس والقنوط
هي تلاوة هذه الأدعية التي وصلتنا عن أئمة الهدى(ع)
فقد أُودِعَت هذه الأدعية عباراتٍ تمنح الأمل بشكل صريح
وتعلمون أن الناس إنما يناجون ربهم بمقدار أملهم
ويستغفرون بحجم ما في أنفسهم من رجاء.. لا بحجم معاصيهم!
بل إن الناس لا يناجون الله على قدر خوفهم من القيامة
بل إنهم يعمدون إلى الدعاء والمناجاة بقدر رجائهم بمغفرة ربهم
فالذين لا يُحيون الأسحار ولا يجدون الوقت للدعاء
يعاني معظمهم من القنوط.. فأغلبهم لا يعمرهم المقدار اللازم من الأمل
فعلى الإنسان أن يعيش أجواء الدعاء
وسيساعده الدعاء نفسُه على تبديد ما به من يأس
وسأبيّن فيما بعد العلاقة التي تقوم بين هذا القنوط أو هذا الأمل
مع موضوع الظهور والفرج الكائن في نهاية الدعاء وعند ذروته
لاحظوا، مثلاً، هذه الفقرة من دعاء الافتتاح:
«فَكَمْ يَا إِلَهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَهَا، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَهَا، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَهَا
وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَهَا، وَحَلْقَةِ بَلاءٍ قَدْ فَكَكْتَهَا»
ينادي ربه بتعابير شتى وبالتفصيل في هذا الدعاء القصير
أن: إلهي، ليس قليلاً البلاء الذي أزحته عني
وليس يسيراً الحزن الذي فرّجتَه عني، ولا الرحمة التي أمطرتَها عليّ
وليست طفيفة المشاكل التي عالجتَها لي..
معنى العبارات أنني أُلقّن نفسي أنْ: أجل، إن ربي رؤوف جداً بي
وهو لم يبخل عليّ إلى الآن برأفته هذه.. كم يُلقّن هذا بالأمل؟!
وهناك أيضاً فقرات أخرى في هذا الدعاء الشريف
«الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ»
أشكر هذا الرب الذي رغم علمه بذنوبي لكنه يتعاطى معي بحِلم
«وَالْحَمْدُ لِلهِ عَلَى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِه» فمع قدرته عليّ لكنه يعفو عني
«وَالْحَمْدُ لِلهِ عَلَى طُولِ أَنَاتِهِ فِي [سيطرته على] غَضَبِهِ
وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يُرِيد» وعلى إنزال غضبه بأي أحد، وله الحق
كم تبعث هذه العبارات الأمل في الإنسان!
فلا يكفي مجرد قولنا: نحن من عباد الله المُؤَمّلين
فتعالوا نُجري هذا الأمل على ألسنتنا وسترون كم سيتقوّى هذا الأمل
وكم ستتبعه من آثار طيّبة
أو هذه الفقرة: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنَادِيهِ
وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ
وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا أُجَازِيه»
وإلى آخره.. «فَكَمْ مِنْ... عَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفَانِي»
إلى قوله: «فَأُثْنِي عَلَيْهِ حَامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً» إنني أحمد مثل هذا الرب
وإلى قوله.. «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجَابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بَابُهُ
وَلا يُرَدُّ سَائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُه» أشكر الإله الذي لا يقطع أمل من يؤمّله
وكل هذا تلقين بالأمل ونحن بحاجة إلى مثل هذا الأمل
علاقة هذا الشعور بالأمل مع ظهور الإمام(عج) وتمني الفرج
ومع الكثير من الأمور التي سنمرّ عليها فيما بعد إن شاء الله تتمةً للدعاء
وسنرى كيف يجعل دعاءُ الافتتاح شهرَ رمضاننا المبارك شهراً مهدوياً
ما علاقة هذا الأمل؟
لاحظوا أننا في الأدعية عموماً، وفي هذا خصوصاً
لا نريد تناول موضوعين: أحدهما إصلاح علاقتنا بالله تعالى
والثاني تقوية وإصلاح آصرتنا مع صاحب العصر(عج) وأولياء الله!
كلا، فاستمراراً لنفس تلك العلاقة الطيبة التي علينا إقامتها مع الله
والتي نحن بحاجة إليها، تكون علاقتنا مع أولياء الله جميلة ورائعة
ففي موضوع الأمل هذا تحديداً
فإن الإنسان غيرَ المؤمِّل والمُبتلَى بالقنوط سوف لا يكون منتظراً أيضاً
بل هو لا يحمل حتى أمنية بالنسبة للظهور.. ولا يرى الفرج قريباً أبداً
أما مَن يطيلُ الوقوف من بداية الدعاء على أمله بالله ورجائه رحمتَه ورأفتَه
فمثل هذا هو من يتمنّى في نهاية الدعاء الظهور والفرج كل هذا التمنّي
فالكثيرون لا يستطيعون التصديق بنجاة البشرية!... إنهم يائسون
فالمقتنعين بالوضع الذي يعيشه البشر في العالم اليوم
ولا يتصوّرون وضعاً أفضل كي يتمنّوه
هؤلاء مخلوقات آيسة من رحمة الله
تقول: أوَيمكن أن يغدو حال البشر أفضل من هذا؟!
إن مما يحصل الآن تحديداً في العالم هو أن الإعلام الاستكباري
يزرع في قلوب الناس القنوط من بلوغ الوضع المطلوب
قائلاً: تحسُّن الأوضاع محال، فاقبلوا بما أنتم عليه الآن!
إن عدم نهوض شعوب العالم لإنقاذ أنفسها يرجع إلى القنوط المُوحَى إليها
ولا بد أحياناً من القول: إن عدم دعائنا نحن للفرج
لنيل الموعود الذي وُعِدنا به، ونعلمه، ونعرفه، وقد علّمنا ديننا به
ومع ذلك لا ندعو فهو لأننا آيسون
فدعاء الافتتاح بدايةً يمهّد لنا السبيل بعبارات تلقّننا الأمل
حتى إذا اجتاحَنا الأمل وأحسَنّا الظن بالله بلَغْنا مرحلةً ندعو فيها للفرج
إذن فاستمراريةً لذات التأميل الذي يُعزَّز في مطلع الدعاء بعبارات شتى
نصل إلى نقطة الدعاء للفرج وللظهور
فنحن إن كنا مؤمّلين لمغفرة الله فسنستغفر
وإن كنا حقاً من أهل الأمل والرجاء وشُوهد هذا في استغفارنا
فمن الطبيعي أن يستمر هذا الأمل وسنكون من أهل تمنّي الظهور أيضاً
ومن النتائج التي يمكن استنتاجها من هذا
هو أننا إذا لم ندعُ للفرج فقد نُصنَّف ضمن الآيسين من رحمة الله!
وهذه صفة إبليس! وهي من أكبر الكبائر التي لا تُغتفَر!
الشرك.. ثم اليأس من رحمة الله!
نسأل الله أن لا يجعلنا من الآيسين من رحمته
وأن يُخرِجنا من القنوط إخراجاً كي يتضاعف أملنا
فإن تضاعف أملنا أصبحنا من المتمنّين للفرج والمتوقّعين لتحقّقه\