من المقرر أن نهتم في شهر رمضان المبارك أكثر من سائر الأيام
بالإمام صاحب الزمان أرواحنا له الفداء
لدواعٍ مختلفة بينّاها في الليالي الفائتة
ومنها أننا إذا تقربنا إلى الله وصرنا من الأتقياء
فمن الطبيعي أن أول ما ينجم عن هذا الشعور المعنوي الجميل إذا خالَجَنا
وأولى نتائجه الطبيعية المهمة
هي اهتمامنا أكثر بأولياء الله وبوَليّ الله الأعظم
لذا من الممكن أن يكون اهتمامنا بصاحب الزمان(عج) علامة قبول أعمالنا
فإن اشتقنا في شهر رمضان المبارك للإمام(ع) أو كان اشتياقنا له أعظم
فهذا مؤشّر على أن عبادتنا هذه وكأنها وُضعَت في مسيرها الصحيح
وأنها حازَت عناية رب العالمين
وهناك دواعٍ أخرى متعددة لعِلّة
اعتبارنا شهرَ رمضان المبارك شهر صاحب الزمان أرواحنا له الفداء
قال رسول الله(ص): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثّقَلَيْنِ..»
ثم أشار إلى أن هذين الثقلين «لَنْ يَفْتَرِقَا» أبداً عن بعضهما البعض
وهاتان الجوهرتان النفيستان هما: «كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»
فإذا كان شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن
فهو يعني أنه، إلى جانب ذلك، شهر العترة أيضاً
وأن ليالي القدر هي ليالي مهدوية بقدر ما هي ليالي قرآنية
فالإمام صاحب الزمان(عج) سيوقّع صحائف أعمالنا في هذه الليالي
وأكرر أن علينا، ولدواعٍ مختلفة
أن نحسَب شهر رمضان المبارك شهر صاحب الزمان(عج)
ولاسيما وأن دعاء الافتتاح
الذي نحن في محضره ونتلو بين الحين والآخر بعض فقراته
يذكّرنا جداً بصاحب الزمان(ع)
ويعلّمنا بإلحاح كيف نتعامل مع قضاياه(ع)
فأن يتلو المرء هذا الدعاء ويقف على المسافة التي تفصله عنه
فهو بحد ذاته مهم
فإن لم يفصله عنه شيء واستطاع تلاوته.. وفي كل ليلة.. وعلى التوالي
أثناء ليالي شهر رمضان المبارك، والدعاء للإمام(عج) بهذا التفصيل
فيتعيّن حقّاً تهنئتُه.. بأن الله قد أخذ بيده
إن من خصائص دعاء الافتتاح
ومن الالتفاتات التي يحويها هذا الدعاء الشريف حول صاحب العصر(عج)
هي أن الداعي فيه يدعو للإمام(عج) بشكل صريح ومباشر
«اللَّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً
وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً»
بل وقبل هذه الفقرة باثنتين إذ هناك الشيء نفسه:
«اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلَى كِتَابِكَ وَالْقَائِمَ بِدِينِكَ..»
إلى أن يقول: «..مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً»
أو في عبارة سابقة عليها ذكرناها الليلة الماضية:
«وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِين»
حقاً! هل الإمام المهدي أرواحنا له الفداء بحاجة إلى دعائنا يا ترى؟
إنه في غير حاجة له أبداً
كما في دعاء: «اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّة...» حيث إننا ندعو واقعاً له(ع)
أنْ: "اللهم احفظه.. اللهم خذ بيده.. اللهم احمه"
أحقاً هناك حاجة لدعائنا هذا؟!
لكن لأن الإمام(ع) غير محتاج له ونحن ندعو له رغم ذلك
فإنه يبعث على روعة فائقة
كالطفل الذي يُعِين أبويه، ومع أنه ما لإعانته هذه أي أثر في عملهما
لكن ما من أحد يرى إعانته إلا ويُطري عليه.. قائلاً: ما أشفقه من طفل!
فالذي بلغ درجةَ الدعاء لصاحب الزمان(ع) مع علمه بعدم حاجته(ع) لدعائه
فإنه قد وصل حداً من المعرفة والاضطراب
لا يحتمل معه إلا أن يدعو للإمام(ع)
بل إن البعض يتصدّق له(ع)
هذه التصرفات من قِبل مَن يعتقد بوجود الإمام المهدي(ع)
تدل على رُقِيّ مستواه المعرفي
لماذا نحن ندعو لصاحب الزمان(ع)؟
أحد دواعي ذلك هو أننا جَزِعون للأمام(ع)
والجزع هذا مؤشّر على قيمة هذا الإنسان
سيما إذا كان عبداً مؤمناً قد بلغ هذا المقام
ويمكن ذكر داعٍ آخر لسبب دعائنا لوليّ الله(ع)
وهو أن الإنسان إذا كبُر وازداد سعةً في الصدر وتعاظمت سعته الوجودية
سيدرك أن أهم حدث يجب أن يحدث في العالم هو فرج المولى(ع)
فخلاص العالم رهن بهذا الفرج
وأهم قلب لا بد أن تُداوى جراحُه وتُزاح همومُه هو قلبه(ع) المقدس
وأعظم إنسان من الواجب أن يحظى بأشد العناية من قبل الله تعالى
هو صاحب العصر(عج) شخصياً
إدراك أمور كهذه بالنسبة للعوام - من أمثالي - هو حقاً صعب
لكنّها تفصح عن عظمة إنسان كهذا، لا جزعه فحسب
وهو أن يتوجّه بالدعاء لأجل صاحب الزمان(عج)
تصوّروا أي إنسان عظيم هذا الذي جلس في خلوته يتلو دعاء الافتتاح
أو حتى وسط جمع من الناس
وراح يدعو لصاحب العصر أرواحنا له الفداء
إنك لترى أن هؤلاء قد عظُم شأنهم دفعة واحدة!
ذلك أنهم يدعون لأمر عظيم
أما الحقير والمغرور والأناني من الناس فلا يملك أن يدعو للإمام(ع)
أمثال هؤلاء حتى إذا طرقوا باب الله فلأنهم يريدون شيئاً من الله
يريدون من صاحب الزمان(ع) شيئاً.. ويرحلون!
لا يمكثون ليحزنوا على حاله(ع)
على أن هذه الروح، روح الدعاء للإمام(ع) والشفقة عليه
ستنفع الشخص جداً بعد ظهور الإمام(ع) والالتحاق به
لقد ورد في أحاديثنا: «النَّصِيحَةُ لأَئِمَّةِ المُسلِمِين»
فالنصيحة لأئمة المسلمين إذن واجبة.. إنها تكليف
أمير المؤمنين(ع) كان يعلن للناس أن نصيحتكم لإمامكم واجبة
والنصيحة في اللغة من معانيها الموعظة
لكنها تعني أيضاً الإخلاص
من هنا يقول أمير المؤمنين علي(ع) في حق الإمام على رعيته:
«النَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ» أي في حضوره وغيابه
ما معنى النصح هنا؟
هو أن يتعاملوا معه بإخلاص..
أن يؤيّدوه... يؤيدوه أمام الآخرين في غيابه
هذا تكليف..
لكن من ذا الذي يستطيع أن يؤيّد إمامه؟
إنه هذا الذي يدعو الآن لإمامه(ع)
حقاً.. فلنتأمل في أنه
الدولة المهدوية.. الدولة الإسلامية أو الدينية الأصيلة
أي نمط من الدولة ستكون يا ترى؟
إنها الدولة التي ستُدار عن طريق محبة الشعب لمولاهم!
فبها سيُبسَط الأمن.. وبها ستُحقَّق سعادة الشعب.. وبها سيزدهر المجتمع
عن طريق «النَّصِيحَة لأَئِمَّةِ المُسلِمِين»
ففي الحديث إن تعلُّق الناس بصاحب الزمان أرواحنا فداه سيكون من القوة
ما يمنح الهيبة لأصحابه بين الناس
فإذا رأى الناس شدة اشتياق أصحاب الإمام له(عج)
ولمسوا منزلته(ع) الاجتماعية ومحبوبيته بين الناس
لم يملك أحد خرق القوانين.. بل لا يُجيز لنفسه ذلك
إنهم سيحبونه(ع).. وسيودّون لو يطيعونه..
وهذا يخلق قوة.. وهو أسلَم وأفضل وأروع نمط قوة يمكن أن يُخلَق!
وبهذه القوة سيحكم صاحب العصر(ع)
لاحظوا، حين يدعو المرء في دعاء الافتتاح هذا للإمام صاحب العصر(ع)
فإنه يؤسس لدعائم حضارة.. إنه يستعرض نمطاً من أنماط الحُكم..
إنه يحقق مقولة: «النَّصِيحَةُ لأَئِمَّةِ المُسلِمِين»..
إن الذي يتلو دعاء الافتتاح ويدعو فيه لإمام زمانه(ع)
من الطبيعي أن يُمنح ثواب المقاتل بين يديه(ع) حتى وإن لم يبلغ الفرج
قالوا: «مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ..
كَمَنْ قَارَعَ مَعَهُ بِسَيْفِهِ.. كَمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ(ص)»
إنكم إذ تدعون الآن لصاحب الزمان(عج) أنْ: إلهي أعِنهُ.. إلهي أعزَّه..
فإن هذه الشفقة ليست أمراً بسيطاً، ولا موجة عاطفية عابرة
(مع أنه وإن كانت موجة عاطفية فهي دليل على عظمة روح صاحبها)
بل إنكم توضّحون لنا بهذا أسلوبَ حُكم الإمام(ع)
تقولون لنا: صحيح أن نظام الحكم الصالح هو ذلك الذي يقيم العدل
لكنه هو نفسه يقوم على محبة الجماهير، على محبة، بل شدة محبة أوليائه
إن علينا أن نضجّ أيّما ضجيج بمحبة مولانا صاحب الزمان(عج)
بل أن نذهب بها إلى أبعد بكثير مما نذهب مع محبة أبي عبد الله الحسين(ع)!
لماذا؟
لأنه ثمة موضوع مهم بالنسبة لمحبة أبي عبد الله الحسين(ع)
وهو أنه قد ظُلم بشدة.. وقاسَى الغربة.. وعانَى المصائب
إذن من الطبيعي جداً أن نضجّ من أجله
لكن كونه قد استُشهِد.. ورحل عنّا فإنه ليس لمحبتنا له ذلك الأثر
الذي لمحبة إمامنا صاحب الزمان أرواحنا له الفداء
فإعلاننا لحبنا وعاطفتنا تجاه صاحب الزمان(عج) هو تأسيسٌ لحضارة
وتأسيس للأخذ بثأر أبي عبد الله الحسين(ع)
إننا من حب أبي عبد الله الحسين(ع) نبدأ
وإن سعادتنا، الحسين(ع) هو الذي يضمنها
لكن علينا أن ننطلق من البكاء على الإمام المظلوم
لنصل إلى ذرف الدموع على الإمام المقتدر
إن علينا الامتنان من أبي عبد الله الحسين(ع)
فهذه العشرين مليون نسمة التي تؤُمّ في الأربعين كربلاء
وتقصد أبي عبد الله الحسين(ع) شيءٌ ضئيل مما ينبغي أن يكون!
إننا لن نستطيع أبداً شُكر أبي عبد الله الحسين(ع) كما ينبغي له
لكن مهما كان فلا بد لصرختنا "يا ابن الحسن" أن تفوق ذلك
كان الإمام الراحل(رض) يقول: "انتظار الفرج هو انتظار قوة الإسلام"
كما كان يقول: "هذه الدموع على أبي عبد الله الحسين(ع)
تمهّد لسطوة الإسلام"
ويقول: "ما جَعْلُ أئمّتِنا كل هذ الثواب لدمعة واحدة
إلا خطة ليبقى الإسلام قوياً بالدموع على أبي عبد الله الحسين(ع)"
ألا وإن أروع لون من إظهارنا للعواطف تجاه صاحب الزمان(ع)
يتجلّى في الدعاء له
لاحظوا أي مشهد رائع أن يجلس قوم.. يذرفون الدموع.. ويدعون الله
من أجل إمام زمانهم! من أجل سلامته.. من أجل وجوده المقدس!
أي قوة سيصنع هذا المشهد في المستقبل!
ونأمل أن يكون هذا المستقبل قريباً
فإن نظروا إلى دعائنا هذا أولاً.. وقبلوه منا ثانياً
فسوف لا يتأخر ميعاد اللقاء إن شاء الله.